لبنان بين المبادرة الماكرونية والفوبيا الأردوغانية

لبنان بين المبادرة الماكرونية والفوبيا الأردوغانية

لبنان بين المبادرة الماكرونية والفوبيا الأردوغانية

 العراق اليوم -

لبنان بين المبادرة الماكرونية والفوبيا الأردوغانية

على شندب
بقلم - على شندب

بدا تكليف مصطفى أديب بتشكيل الحكومة اللبنانية، بمثابة كلمة سر انصاعت غالبية الكتل السياسية إلى الالتزام بها، ما أدى نسبيا إلى كسر حلقات الجمود المستحكمة بالواقع اللبناني المأزوم والمهزوم.

كما بدت خارطة الطريق أو المبادرة الفرنسية، بمثابة البيان الوزاري الذي التزمت الكتل السياسية بتطبيقه واعتماده أمام الرئيس الفرنسي الذي غامر بوضع رأسماله السياسي على الطاولة، والذي استخدم لغة التهديد والوعيد والعقوبات التي يفهمها قادة هذه الكتل السياسية جيدا، وأدمنوا على الانصياع لها والالتزام بها.

اختيار مصطفى أديب لتشكيل الحكومة المقترح من نادي رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي، سعد الحريري، فؤاد السنيورة وتمام سلام، شكل سابقة في الحياة السياسية وتجويفا للدستور. لاسيّما أن هذه التسمية أتت مطابقة لشروط ومواصفات حزب الله في اختيار مرشح غير مستفز للحزب المتمسك مع شريكه في الثنائي الشيعي بتكليف سعد الحريري، أو من يسميه باستثناء نواف سلام.

لكن عدم تلقي الحريري الراغب في العودة إلى السرايا الحكومي الإشارات الخليجية والخارجية الخضراء، دفعه إلى إدارة ظهره للظهير الخليجي والعربي، وتكرار تجربة حزب الله الذي استخرج حسان دياب من جعبة نجيب ميقاتي دون موافقته، في استخراج مصطفى أديب من جعبة ميقاتي إنما بموافقته. وبحسب "اللوموند" فقد شبّه ماكرون "تكليف مصطفى أديب باختيار طباخ حلويات التايتانيك لقيادة السفينة التي تملأها المياه".

وإذ تبيّن أن حسّان دياب لم يكن إلا وديعة للممانعة في خراج ميقاتي، يتبين أن مصطفى أديب وديعة استولدها الحريري من خراج ميقاتي، بعدما قام برنار ايميه بتخصيبها قبل أن يتولى ماكرون تنصيبها. ما يعني أن ميقاتي الذي سبق أن استولده الرئيس السوري بشّار الأسد، بات مجرد خراج لاستيلاد رؤساء حكومة عند اللزوم حسب المواصفات الحزبلّاهية تارة، والمعايير الفرنسية طورا.

وبالعودة إلى "اللوياجيرغا السنية" أو اختراع فؤاد السنيورة لنادي رؤساء الحكومة الذي لطالما تنافخ أعضاؤه بالجملة والمفرق للدفاع عن مقام رئاسة الوزراء، نجدهم أكثر من هشموا وشوهوا هذا المقام بالجملة والمفرق، وحولوه إلى أداة طيعة بيد قطبي منظومة الفساد والمال والسلطة والسلاح جبران باسيل وحسن نصرالله.

بديهي القول إنه كان بإمكان اللوياجيرغا السنية المبادرة لتسمية مرشح لرئاسة الحكومة، على شاكلة شاغلي موقعي رئاستي الجمهورية ومجلس النواب ومن وزنهم، بغض النظر عن موقف أطراف المنظومة، علّهم بذلك يخفّفون من الهزال الذي أصاب بفعلاتهم المتوالية موقع رئاسة الوزراء، لكنه الانصياع الذي أدمنوه فبات كمرض عضال تعانيه الطائفة المأزومة والمكسورة.

فقد انصاعت اللوياجيرغا السنية إلى المبادرة الماكرونية، دونما اعتبار لموقف السعودية الظهير العربي القوي، وأيضا دونما اعتبار لمزاج الجمهور الذي ينظر لموقع الرئاسة الثالثة بوصفه قيادة وطنية، والذي وجد في اختيار مصطفى أديب مجرد استنساخ لنموذج حسان دياب. لكن اللوياجيرغا السنية التي تماهت مع شروط حزب الله ووصفة ماكرون، فضلت تسمية أديب بما يمثله من انصياع، على تسمية نواف سلام بما يمثله من استقلالية قد تعيد لرئاسة الحكومة توازنها ووزنها المفقودين.

وأغلب الظن أن نادي رؤساء الحكومة وتحديدا الحريري وميقاتي، شعروا بفداحة خطئهم، فغابوا بشخوصهم وليس بكتلهم عن استشارات التشكيل، وهو الغياب الذي دفع ميقاتي لمغادرة لبنان بعدما وجد نفسه أشبه بزوج مخدوع، على حد تعبير مصدر مقرب منه.

تكليف ابن طرابلس مصطفى أديب بتشكيل الحكومة، لم يعن لطرابلس والطرابلسيين شيئا. فشوارع المدينة التي تكتظ بلافتات الغضب من الحكم والحكومات والمطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية ومجلس النواب، لم تلحظ وجود لافتة تأييد واحدة لرئيس الحكومة الجديد.

وعروس الثورة التي كانت لها كلمتها الحاسمة في إسقاط حكومة سعد الحريري، وأيضا في منع تكليف الوزير محمد الصفدي بتشكيل الحكومة، ناقمة على الطبقة السياسية عامة ونواب طرابلس الذين لطالما غزت منازلهم ومقراتهم مظاهرات غضب الثائرين الطرابلسيين ضدهم، بوصفهم جزءا من منظومة النهب والفساد والإفقار والجوع الذي تصدى له نجيب ميقاتي بوصفه كبير نواب المدينة بمقولته الشهيرة "طرابلس لن تجوع".

وبعيدا عن ضخ ماكرون بعض الأوكسجين في المنظومة السياسية التي تعاني انسدادا رئويا حادا، ساهم وهج فيروز في رفع انسداده بدل إنعاشه باستثناء حزب الله الذي تماهى مع المبادرة الماكرونية وامتدحها نصرالله فقط لأنها لم تقترب من سلاح حزب الله.

إنه السلاح الذي بات محل رفض شرائح لبنانية واسعة في مقدمها البطريرك الماروني بشارة الراعي ويؤيده في ذلك بهاء الحريري النجل الأكبر لرفيق الحريري الذي حدّد موقعه وتموضعه الرافض لسلاح وهيمنة حزب الله والذي يعتبر "أن دول الخليج العربي والولايات المتحدة تتوافق مع رؤيته إلى ضرورة نزع سلاح حزب الله وتحميله مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان".
وفي هذا السياق باتت مواقف بهاء الحريري محل رصد ومتابعة جمهور لبناني وأيضا محل استقطاب سياسي بديل عن شقيقه سعد، سيّما بعدما أمسك بهاء الحريري بملف التواصل الإعلامي والسياسي المباشر بعيدا عن "المنتديات" التي اتهمها خصوم بهاء الحريري بالولاء لتركيا على خلفية علاقة بعض مسؤوليها مع المخابرات التركية.

تمدد تركيا في ليبيا كما في شرقي المتوسط في قبرص واليونان لأسباب ظاهرها حقوق نفطية تركية، وباطنها نفوذ وأدوار استراتيجية على حساب "أوروبا العجوز"، هو سبب الاندفاعة الماكرونية المعلنة انطلاقا من انفجار مرفأ بيروت الهيروشيمي المتزامن مع مئوية لبنان الأولى، وقد تضمنت المبادرة الفرنسية طرحا عن عقد سياسي جديد رحب به زعيم حزب الله، ورفضه البطريرك الماروني لاسيما إذا تضمن "المثالثة".

بدون شك ليس من السهل على بكركي أن تتوجّس من مبادرة فرنسا بوصفها عاصمة الكاثوليكية السياسية. ترى ألهذا السبب بادر بابا الفاتيكان إلى تقبيل العلم اللبناني أثناء الصلاة لأجل لبنان، وإلى إيفاد وزير خارجية الفاتيكان إلى بيروت للتضامن مع ذوي ضحايا الانفجار، والأهم إلى شد عضد البطريرك الراعي في مطلبه "حياد لبنان"، وفي رفض المثالثة التي وفي حال إقرارها ستحل محل "المناصفة" التي كرّسها "اتفاق الطائف" الذي أبرم برعاية السعودية، فرنسا، أميركا وسوريا؟

أم أن الفوبيا الفرنسية من تمدّد تركيا دفعت باريس إلى حفظ دور وموقع طهران في المنطقة عبر التأكيد على مكانة وموقع حزب الله السياسية لحاجتها المحتملة لهما في سياق مواجهة ممكنة مع تركيا، التي ولأجل مواجهتها أيضا قصد ماكرون بغداد في زيارة لدعم سيادة العراق؟ ثم وهل بمقدور ماكرون التفرد في إنتاج عقد سياسي لبناني جديد سيكون الرابح الأكبر فيه حزب الله، فيما سيكون المسيحيون الخاسر الأكبر؟ ما يرجح أن يدفع شرائح سنية وازنة باتجاه تركيا، وشرائح مسيحية وازنة أيضا بعيدا عن فرنسا وباتجاه الولايات المتحدة.

ربما علينا التوقف عند الفوارق التي طبعت المبادرة الفرنسية، التي بدأت بالكلام عن عقد سياسي جديد، وانتهت بتشكيل حكومة مهمة ووصفة إصلاحية اقتصادية مالية داخلية. من دون أن تقترب من النفط والحدود البحرية والبرية ولا من القرار 1559 وسلاح حزب الله وصواريخه الدقيقة وغير الدقيقة، والتي يبدو أنها اختصاص حصري بالولايات المتحدة التي ينتهي تفويضها اللبناني لماكرون بعد نحو شهرين (هما مهلة ماكرون لساسة لبنان)، أي المهلة التي تنتهي بوضع الانتخابات الأميركية رئيسها الترامبي الجديد.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان بين المبادرة الماكرونية والفوبيا الأردوغانية لبنان بين المبادرة الماكرونية والفوبيا الأردوغانية



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:54 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

تعرف على "أهل الدثور" وأسباب دخول الجنة

GMT 10:07 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

Incredible Things عطر ساحر من نفحات الأخشاب الطبيعية

GMT 18:46 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

صلاح يفك عقدة لازمته منذ 2014 في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 21:25 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"كلام ستات" يناقش مبادرة "بدّلها بفضة" لتسهيل الزواج

GMT 02:06 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفخم الفنادق في مدينة هونغ كونغ الصينية

GMT 04:13 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

"ديكورات" مشرقة في شقّة جون بون جوفي الـ"دوبلكس"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أبوالفتوح تكشف فوائد تناول الردة خلال الوجبات

GMT 03:36 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تناول المكسرات يساعد على استقرار مستويات السكر

GMT 01:21 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

شاكيرا تستعد لإحياء حفلة غنائية في إسرائيل

GMT 22:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سائق حافلة ركاب في إسبانيا يرفض صعود منقبة للحافلة

GMT 00:14 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الجمعة

GMT 05:14 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعاون "فوكس" و" ديزني" يكشف عن تقاعد "مردوخ" أم خطة جديدة

GMT 12:17 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح استئصال ورم من بطن سيدة في جازان وزنه 5 كيلو جرام

GMT 07:35 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

سلام العمري تبدع في صناعة الشموع بطرق مختلفة جذابة

GMT 01:46 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شيماء مرسي تؤكّد أنّ مواقع التواصل الاجتماعي يحكمها الإتيكيت

GMT 06:17 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

طرح عطر "فانيلا نواغ" الساحر للمرأة التي تعشق الإثارة

GMT 07:35 2016 الأربعاء ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

كيارا فيراغني من مدونة في عالم افتراضي إلى عارضة أزياء شهيرة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq