بقلم : خيرالله خيرالله
هناك وعي لدى بلينكن لأهمية وجود تحالف واسع في مواجهة إيران وهو مثله مثل جو بايدن يتحدث عن ضرورة وجود مثل هذا التحالف في أي مواجهة مع الصين أيضا.
بدأت ملامح إدارة جو بايدن تتشكّل وذلك قبل شهرين من دخوله البيت الأبيض. لا يمكن اعتبار تعيين أنطوني بلينكن وزيرا للخارجية حدثا عابرا. وقع اختيار بايدن على شخص عمل معه طويلا يمتلك خبرة في كل ما له علاقة من قريب أو بعيد بالسياسة الخارجية وتفاصيلها الدقيقة. اكتسب هذه الخبرة من خلال العمل كمستشار للأمن القومي لبايدن نفسه عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما بين 2008 و2016 أو كنائب لوزير الخارجية جون كيري لاحقا، وقبل ذلك كالرجل الثاني في مجلس الأمن القومي.
من خلال المواقع التي شغلها، بما في ذلك وجوده إلى جانب جو بايدن في الحملة الرئاسية، يستطيع بلينكن أن يكون على اتصال مباشر بالرئيس الأميركي الجديد. هذه صفة لم يتمتع بها معظم وزراء الخارجية الأميركيين الذين شغلوا هذا الموقع. من هذا المنطلق، سيكون وزير الخارجية الأميركي الجديد قادرا على إعادة الاعتبار لعدد كبير من موظفي الخارجية، من الدبلوماسيين المحترفين الذين شعروا بالتهميش في عهد دونالد ترامب. سيعيد تركيب وزارة الخارجية على أسس مختلفة. سيعيد قبل كلّ شيء الاعتبار إلى الدبلوماسيين المحترفين الذين يؤمن بهم بايدن. أكثر من ذلك، عندما سيفاوض بلينكن في مجال العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، فهو يفعل ذلك من زاوية من يعرف كيف التعاطي مع إيران من جهة وأهمّية الشراكة الأوروبية في الحدّ من قدرة إيران على التوسّع من جهة أخرى.
ينتمي بلينكن إلى مدرسة مختلفة عن تلك التي ينتمي إليها دونالد ترامب والفريق الذي دفعه إلى تمزيق الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني في العام 2018. كان هذا الفريق يعرف تماما ما على المحكّ مع إيران. جاء تمزيق الاتفاق تتويجا لغياب أي ثقة أميركية بإيران وذلك منذ قيام “الجمهورية الإسلامية” في العام 1979 واحتجاز الدبلوماسيين الأميركيين في طهران 444 يوما. هل يعي بلينكن أنّ طريقة تعاطي ترامب مع إيران كانت ناجعة خلافا لكل الطرق الأخرى التي لجأ إليها الرؤساء الأميركيون السابقون، من جيمي كارتر… إلى باراك أوباما؟ ثمّة حاجة إلى تبريرات قويّة لتفادي الاعتراف بهذا الواقع. لجأ وزير الخارجية الأميركي المعيّن إلى هذه التبريرات التي قد تثبت الأحداث أنّها غير صحيحة ولا أساس لها.
لدى بلينكن وجهة نظر مختلفة في شأن الملفّ النووي الإيراني. تقوم هذه النظرة، كما عبّر عنها أخيرا في مقابلة مع الصحافية المشهورة مارغريت برينان، على أن مقاربة إدارة ترامب للملف الإيراني لم تؤد إلى النتائج المرجوة. يركّز في هذا المجال على ضرورة التوصل إلى صفقة مع إيران بمشاركة الحلفاء (الأوروبيين والدوليين) تؤدي إلى الحد من التصرفات الإيرانية المشكو منها.
هناك وعي لدى بلينكن لأهمّية وجود تحالف واسع في مواجهة إيران. مثله مثل جو بايدن، يتحدث عن ضرورة وجود مثل هذا التحالف في أي مواجهة مع الصين. مثل هذا الرأي وجيه إلى حد كبير. لكن السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا ما العمل، أميركيا، بعد توقيع إيران في حزيران – يونيو الماضي “اتفاقا استراتيجيا شاملا” مع الصين لمدّة 25 عاما. في الواقع، إنّ مثل هذا الاتفاق لا أفق له. يعود ذلك إلى أن إيران لا تريد أن تعرف تماما ما هي الصين على الرغم من العلاقات القديمة بين طهران وبكين. لا تريد “الجمهورية الإسلامية” الاعتراف بأنّ مثل هذا الاتفاق يضعها تحت نوع من الوصاية. ولكن ما العمل في عالم يعتبر فيه الإيرانيون أن في استطاعتهم التذاكي على أي كان في العالم، بما في ذلك الصين.
الولايات المتحدة دخلت في عهد جو بايدن مرحلة جديدة مختلفة كلّيا عن مرحلة عهد دونالد ترامب. من خلال جو بايدن ووزير الخارجية المعيّن، ستكون هناك إدارة أكثر إنسانية.
من الواضح أنّ أنطوني بلينكن ليس شخصا سهلا. اتخذ كلّ احتياطاته في تعاطيه مع الملفّ النووي الإيراني ومسألة احتمال العودة إليه. كان في الفريق الذي تفاوض مع إيران سرّا قبل التوصل إلى الاتفاق صيف العام 2015، وهو اتفاق بين إيران من جهة ومجموعة الخمسة زائدا واحدا من جهة أخرى. للتذكير فقط، تضم مجموعة الخمسة زائدا واحدا البلدان الخمسة ذات العضوية في مجلس الأمن وألمانيا.
لا يمكن رفض كلّ ما قامت به إدارة دونالد ترامب دفعة واحدة. قد تقتنع إدارة بايدن بذلك ولكن بعد تثبيت رجليها في البيت الأبيض. لا يمكن افتراض أنّ ترامب لم يعرف كيف التعاطي مع إيران. على العكس من ذلك تماما كان هناك حوله فريق عمل يعرف تماما كيف التعاطي مع “الجمهورية الإسلامية” ومشروعها التوسّعي. الأكيد أن ترامب نفسه لم يكن يعرف الكثير عن إيران. لكن ما هو أكيد أيضا أن الذين كتبوا له خطاباته، وصولا إلى تصفية قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” يعرفون إيران جيّدا.
يبقى أنطوني بلينكن وزيرا واعدا للخارجية الأميركية. يكفي أنّه اعترض على قرار باراك أوباما الرافض للاقتصاص من بشّار الأسد بعد ضربه الشعب السوري بالسلاح الكيميائي في آب – أغسطس من العام 2013. يقول وزير الخارجية الأميركي المعيّن الآن إنّ المأساة التي حلت بالشعب السوري ستلاحقه إلى آخر أيّامه. ربّما كان ذلك عائدا إلى أنه من أمّ وأب يهوديين وأنّه عاش فترة مع والدته في باريس بعد طلاقها من والده وزواجها من شخص كان من بين الناجين من المحرقة النازية. من هذا المنطلق، يمكن أيضا فهم ليبيرالية أنطوني بلينكن، فلسطينيا، وتأييده خيار الدولتين خلافا لما يطالب به اليمين الإسرائيلي. تدفعه هذه الليبرالية إلى تأكيد “استحالة” أي لقاء بين إدارة بايدن والنظام السوري الحالي الذي على رأسه بشّار الأسد.
دخلت الولايات المتحدة في عهد جو بايدن مرحلة جديدة مختلفة كلّيا عن مرحلة عهد دونالد ترامب. من خلال جو بايدن ووزير الخارجية المعيّن، ستكون هناك إدارة أكثر إنسانية. لكنّه يفترض بمثل هذه الإدارة الاعتراف بأنّ تركة دونالد ترامب ليست مجموعة من السلبيات فقط. هناك إيجابيات لا يمكن تجاهلها. من بين هذه الإيجابيات، أن العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي مع إيران ستكون من موقع قوة. ليس ترامب وحده الذي عرف كيف يكشف أن إيران ليست سوى نمر ورق. من فعل ذلك كان مجموعة محيطة به تعرف تماما ما هي إيران ومدى تأثير العقوبات عليها. مثل هذا الواقع لا يمكن إنكاره والتنكر له، وهو بين التحديات التي ستواجه أنطوني بلينكن وآخرين في إدارة جو بايدن.