صلاح منتصر
بصورة عامة ظل منصب المحافظ مكافأة نهاية الخدمة للذين اختيروا تبعا «للكوتة» المقدرة لهم من رجال القضاء والجامعات والشرطة والجيش فى المحافظات الحدودية. ورغم مئات المحافظين الذين جرى تعيينهم فى الستين سنة الأخيرة إلا أن عددا محدودا تركوا بصمتهم بما حققوه من إصلاحات ومشروعات فى المحافظات التى تولوها. ومنهم على سبيل المثال وجيه أباظة فى البحيرة وفتحى البرادعى فى دمياط وعادل لبيب فى قنا وفخر الدين خالد فى بورسعيد وسمير فرج فى الأقصر. ولست هنا فى سبيل حصر هؤلاء المحافظين وإنما هى نماذج بقيت فى ذاكرتى المحدودة وهناك غيرهم بالتأكيد نماذج أخرى تستوعبها ذاكرة التاريخ وهى أكبر.
لكن الملاحظ أن واحدا من هؤلاء المحافظين لم يقم بتسجيل تجربته كمحافظ هبط على المحافظة التى تولاها وعلى أهلها الذين لا يعرفهم وكيف تعامل مع الأجهزة الحكومية التى تحمل موروثات البيروقراطية التى تقاوم عادة التقدم والتغيير.
أخيرا حمل إلينا أحد المحافظين وهو اللواء سمير فرج تجربته فى كتاب عنوانه: سبع سنوات فى طيبة. تجربة محافظ فى الأقصر التى كانت يوم تولاها عام 2004 مدينة عشوائية ليس فيها إلا ما هو قبيح ومثير، وبعد خمس سنوات ارتقى بها إلى المكانة التى تليق بما تملكه من آثار وحركة سياحية، مما جعل الدولة ترتقى بها من مدينة إلى محافظة ظل بها إلى أن جاءت ثورة 2011 فغادرها تاركا بعض المشروعات التى بدأها ولم تكتمل حتى اليوم!.
كان آخر منصب تولاه سمير فرج قبل الأقصر إدارة دار الأوبرا المصرية لمدة 4 سنوات (من 2000 إلى 2004) شهدت خلالها تجديد وافتتاح مسرح سيد درويش وتطوير معهد الموسيقى العربية ومسرح الجمهورية ومتحف دار الأوبرا وإنشاء متحف مقتنيات محمد عبدالوهاب وتأسيس فرقة نجوم الأوبرا التى ظهرت نجمتها آمال ماهر وإقامة حفلات أوبرا عايدة فى مختلف المحافظات.
كان سمير فرج سعيدا بموقعه عندما تلقى خبر ترشيحه رئيسا لمدينة الأقصر وقد حاول الاعتذار لكن الرئيس مبارك أصر وقال له وهو يؤدى اليمين: إنت مش عاوز تروح الأقصر ليه؟ أنا اخترتك لتكون الأقصر أحسن مدينة. ولم يكن مبارك يقرأ الفنجان وإنما كان مثل كل واحد التقى سمير فرج وعرفه يعرف أن الأقصر ستصبح على يديه شيئا آخر.
لم يكن الأمر سهلا فلو استطاع أن يحبس نفسه ويبكى على ما رآه لفعل. «كان كل شىء فى الأقصر ـ كما كتب ـ مطلوبا تعديله وتطويره وفى كثير من الأحيان يحتاج لنسفه وإعادة بنائه»، لم تكن الأقصر مدينة أثرية وإنما مدينة غاية فى العشوائية. كان طريق الكباش الممتد بين معبدى الأقصر والكرنك مختفيا تحت الأرض غطته أكوام الأتربة التى تحجرت، وكانت هناك 3250 أسرة تسكن فيما عرف بالقرنة وهى منطقة تعلو المقابر المحيطة بوادى الملوك وفشلت محاولات نقلهم كثيرا، وكانت معركة نقلهم إلى قرية حديثة (القرنة الجديدة) أولى المعارك التى خاضها سمير فرج واستنزفت مجهودا كبيرا، لكنه بالسياسة والحزم وتأكيد مصداقية الدولة استطاع أن ينجح فيما فشل فيه كل الذين سبقوه. وكان يكفى إجابة واحد من السكان عندما سأله الدكتور سمير عن حاله بعد انتقاله إلى القرنة الجديدة قوله: فى القديمة كنت أستحم مرة كل أسبوعين واليوم أستحم مرتين كل يوم!.
كان طريق الكباش وكشفه واستخراج آثاره من تحت تلال الأتربة المتحجرة معركة أخرى شرسة محلية ودولية اصطدم فيها بسفراء ودول. وفى سبيل كل تغيير واجه سمير فرج مقاومة شديدة لكنه استطاع الانتصار وسجل روشتة نجاحه فى تخطيط كل ما يريده، والاستعانة بالخبراء الذين يحبون بلدهم وسوف يجدهم، والتصميم على عبور العقبات التى تواجهه أيا كانت، واسترجاع ما شاهده فى الدول الأخرى التى عمل بها وزارها لتكون نموذجا يهتدى به. ولهذا كانت محطة سكة حديد الأقصر والمطار ومبنى الاستعلامات وغيرها كثير من الأعمال.
الكتاب إصدار هيئة الكتاب ويقع فى 400 صفحة لا تخلو أى صفحة من عدة صور. كتاب يحتاجه أى محافظ جديد كى يعرف كيف يضع طريقه إلى النجاح وترك بصمته فى المحافظة التى يتولاها!.