بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ما أجملها الروح التي تسري في ديوان «تنهض بي بعيدا»ً للشاعرة الجزائرية المقيمة في فرنسا لويزا ناظور، عذوبة إنسانية تقطر من كلمات قصائدها المتنوعة، ونظرة عميقة إلي الحياة والزمن والإنسان تتجلي فيها. تكتب كما لو أنها ترسم، يُخيل لك أن المقابلة، التي ترسم صورتها شعراً في القصيدة الثانية «مقابلة في مفترق الغياب»، إنما تلتقي فيها نفسها، وليس غيرها، «هو ذا صديقي الرسَّام/هكذا التقينا بعد غياب». لغة الديوان غنية في كلماتها، ومعانيها. لكن قيمة هذه اللغة الثرية ليست في جمال النص فقط. اللغة، هنا، تبدو وعاء لروح تُحلق في سماء منطقتنا العربية البائسة. تشعر، للوهلة الأولي، بأنها تُحلق من بعيد، من حيث تقيم الشاعرة في باريس. لكنك تجدها شديدة القرب إلي أوجاع ناسها ومشاعرهم.
في كل قصيدة ما يستحق أن نتأمله. لكن المجال لا يتسع إلا لأقل القليل. ورغم صعوبة اختيار ما نقف عنده، فلنتأمل كيف ترسم بقلمها صورة حنين دفين في داخلها إلي وطنها الأم، وأمتها عموماً: «سأخبر الجميع أنك حبيبتي». هكذا عنونت لويزا القصيدة الأكثر تعبيراً عن هذا الحنين. تبدأها معتذرة للجزائر التي وُلدت خارجها: «أعذريني إن صحتُ/أول ما صحتُ الحياة/سقطت صحيتي/خارج حدود جفنيك»، وتختم: «ليعلم الجميع أن حبيبتي/هي الجزائر». ولنبق مع الحنين الذي تشعر به، ولكن إلي أمها هذه المرة في قصيدة الوشاح الأخضر الذي كانت الوالدة ترتديه: «أمي حلت ليالي الشتاء/وأنا في الوحدة سارحة/جاء المساء/وأنا بين المدن تائهة»، إلي أن تكتب، أو لعلها ترسم: «سأنتظر في كل محطات الأرض طلعتك/وسأحلم صاحيةً بأنك كل الأرض/وأن سماء الدنيا وشاح أخضر». ويمتزج حنينها إلي أمتها العربية بشعور قوي بالوجع الكبير الذي ينساه كثير من العرب، أو يتناسونه، في اعتذارها من الشاعر الكبير محمود درويش عن تفكيرها في رثائه، إذ ترسم صورة شعرية بديعة تعبر عن إيمانها ببقاء قضية فلسطين حية من خلال إنكار موت شاعرها الأول: «يا محمود يا درويش/ألا أظُنك قد مِتُ/وأنت تحيا بين القلب والقلب/وفي عُقر الفؤاد/تتلقفك كل الشفاه/تستنجد بك الأرض العطشي/تزودها ماءً وخبزاً وزيتوناً/أظنني سأعتذر منك عما فعلتً/حين هممتُ بالرثاء».