بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تلقيت تعليقات وتساؤلات عدة على اجتهاد الخميس الماضى, الذى أوضحت فيه أن ثورة 1919 لم يقم بها حزب الوفد, لأنه لم يكن موجودا عندما حدثت. لكن المجال لم يتسع لشرح كيف اندلعت دون أن يقودها أحد, سواء هذا الحزب أو غيره. فقد بدأت فى صورة إضراب ثم تظاهرة طلابية، فى 9 مارس 1919، كرد فعل تلقائى على اعتقال سعد زغلول وثلاثة من قادة الوفد الذى تم تشكيله للمطالبة بالاستقلال, أى كوفد يمثل المصريين ويتفاوض باسمهم. وحتى هذا الوفد لم يكن له دور فى إطلاق الثورة.
تجمع الروايات التاريخية على أن أعضاء الوفد لم يدعوا إلى أى احتجاج على اعتقال رئيسه وزملائهم الثلاثة. كان رد فعلهم الأول توجيه رسالة إلى الحكومة البريطانية تؤكد مواصلة الدفاع عن قضية مصر بكل الطرق المشروعة. وركزوا جهدهم خلال الأيام التالية فى التحرك السياسى، وأرسلوا عرائض إلى مندوبى الدول الأجنبية، إذ كان منهجهم قائما على أن حل قضية مصر يعتمد على التحرك فى الخارج، أكثر من العمل فى الداخل.
لقد بدأت ثورة 1919 بلا قيادة، واستمرت كذلك مثلها مثل الثورات الشعبية الكبرى فى التاريخ. وعبر اللورد ملنر، الذى أرسلته الحكومة البريطانية لتقصى أبعاد الثورة، عن هذا المعنى فى تقرير مشهور ورد فيه أن زمام الأمور خرج من يد الوفد.
ولذلك ربما يصح القول إن الشعب استعاد، فى 9 مارس 1919 والأيام التالية، التوكيلات التى منحها لسعد زغلول وآخرين ردا على تذرع المندوب السامى البريطانى بعدم وجود من يمثل المصريين فى عرض قضية الاستقلال.
ولم يبدأ دور الوفد المفاوض فى الظهور إلا بعد انتهاء الثورة، عندما اضطر الإنجليز للإفراج عن سعد زغلول الذى شجع عبد الرحمن فهمى على تأسيس لجنة مركزية عشية سفره إلى باريس لعرض قضية الاستقلال على مؤتمر الصلح، لكى تتابع الأحداث فى مصر وتمد الوفد بالمعلومات التى يحتاجها خلال وجوده فى العاصمة الفرنسية. وكانت تلك اللجنة، وفروعها التى أنشأتها فى المديريات، هى النواة الأولى لما صار بعد ذلك حزبا عُرف باسم حزب الوفد.