د. آمال موسى
في المراحل الأولى من تاريخ البشرية وفي إطار صراع الإنسان الأول مع الطبيعة ومحاولات حماية نفسه والاستجابة إلى شتى دوافع نزعة البقاء، فكرت الجماعات الإنسانية منذ الطور البدائي في ابتكار أسلحة تدافع بها عن نفسها. وتطورت هذه الأسلحة على مراحل التاريخ وكان النظر إليها دائماً باعتبارها دليل ذكاء الإنسان واجتهاده في تطوير أساليب الحماية وضمان الأمن والسلامة. ولقد كانت هذه الأسلحة مصنوعة من الطبيعة وغير ضارة للطبيعة وللبيئة.
ولكن عندما دخلت الإنسانية مرحلة السلاح النّووي تغير كل شيء وتمّ الدوس على تلك الدوافع الأولى وراء الانخراط في علم الأسلحة وفنونها. فقد السلاح شرعيته المتمثلة في تحقيق الأمن والدفاع عن النفس بمجرد الدخول في الزمن النووي، لأن النووي» هو هتك مروع وهائل للأمن العالمي وجعل مفاهيم الحماية والدفاع عن النفس واكتساب القوة، تنحرف إلى طريق تفتك بالإنسان نفسه وبالطبيعة وبالبيئة وتقتل الحياة، بدل أن تدافع عنها.
فمنذ سنوات والحديث عن «النووي» حاضر بقوة في الخطاب الإعلامي العالمي، إلى جانب أنه موضوع رئيسي في المفاوضات الدولية وأيضاً - وهذا الأهم - مصدر توتر أساسي في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط متسبباً في حروب، وحالياً هو محرك لصراعات في أكثر من منطقة في العالم، ومع الأسف أصبحت المفاوضات حوله سوقاً سرية للسياسات والعلاقات الدوليّة في إطار تذكية الصراعات وما يعنيه ذلك من حركة اقتصادية نشيطة في مجال الأسلحة والتسابق فيه على حساب ارتفاع معدلات الفقر وتعدد مظاهره.
طبعاً لطرح موضوع السلاح النووي لا نحتاج إلى مناسبة بعينها أو إلى تاريخ دون سواه، باعتبار أنه من شواغل الساعة، ويمثل لنا مشكلة رئيسية في منطقة الشرق الأوسط، حيث إن إيران تمثل تهديداً حقيقياً إلى جانب إسرائيل في هذا الموضوع. وكما هو معلوم، فإن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي صدرت في 1996 لم تدخل حيز التنفيذ بعد، إذ إن تسع دول من الدول الـ44 التي تشملها هذه الاتفاقية، لم توقع عليها إلى حد الآن وهي الصين وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ومصر والهند وإندونيسيا وإيران وإسرائيل وباكستان والولايات المتحدة.
إذن اتفاقية الحظر موجودة ولكنها غير موجودة لأنها ليست حيز التنفيذ. وأمام هذا الوضع المعقد دولياً فإن الأمم المتحدة أطلقت منذ ديسمبر (كانون الأول) 2009 ما سمته اليوم الدولي لمكافحة التجارب النووية الذي يصادف يوم 29 أغسطس (آب) من كل عام. وتقوم هذه المناسبة الدولية على فكرة منطقية تتمثل في النضال من أجل إعاقة تطوير الأسلحة النووية، لأن مواصلة التجارب وتراكمها يعني مزيد تطوير السلاح النووي ومزيد إلحاق الهلاك والأذى بالإنسان والبيئة والطبيعة.
طبعاً لا يمكن إغفال حقيقة أن ما أظهرته الدراسات العلمية من مخاطر استعمال السلاح النووي، وأيضاً التغييرات التي عرفتها الطبيعة بسبب التجارب النووية قد أنتجت وعياً ومواقف أخلاقية من لدن دول عدة قامت بالتوقيع على هذه المعاهدة، خصوصاً أن المعاهد العلمية والمجتمع المدني في هذه الدول أدت دوراً مهماً في هذا المجال.
غير أنه في المقابل، هناك تقاعس من الدول الكبرى في إدارة ملف السلاح النووي، وهو تقاعس تسعى من خلاله إلى توظيفه لمصلحتها، والحال أن مشكلة النووي ذاتها هي مسؤولية هذه الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بالذات. وذلك لأن تاريخ التجارب النووية يعود إلى عام 1945 عندما قامت الولايات المتحدة بتفجير قنبلتها الذرية الأولى في صحراء ألاموغوردو بنيومكسيكو. كما أنه من ذلك التاريخ إلى حدود تاريخ معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية أجريت قرابة 2000 تجربة نووية في جميع أنحاء العالم وأكثر من نصف هذه التجارب قامت بها الولايات المتحدة ثم الاتحاد السوفياتي سابقاً (تجربة) وتليها فرنسا (210) وفي أسفل القائمة المملكة المتحدة والصين، حيث أجرت كل واحدة 45 تجربة نووية.
وإذا تعمَّقنا جيداً في مخاطر هذا الملف، فإن كل الجهود المبذولة سنلحظ أنها متواضعة جداً وأقل جدية من جدية الخطر النووي على البيئة والطبيعة وكوكب الأرض بشكل عام وموجوداته، أي أننا أمام مسألة الحياة ونوعيتها والتغييرات السلبية، التي مست الطبيعة وجعلت الإنسانية اليوم تعاني من أمراض عويصة ومن تغييرات مناخية مجهولة المآل المخيف.
إنّ ملف السلاح النووي قد تحول إلى موضوع للضغط الدولي الذي يقوى ويفتر حسب مصالح الدول الضاغطة، مما يعني أن فكرة الحظر الشامل للتجارب النووية نفسها غير صادقة بالشكل الذي قد يوحي لنا لأن الدول الضاغطة إذا قررت فعلاً نوع السلاح النووي عن جميع دول العالم فإنها ستفعل، ولكن القرار لم يتم اتخاذه بعد من منطلق أن رفض إيران وإسرائيل مثلاً التوقيع على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، يعني تواصل الصراع في منطقة الشرق الأوسط سياسياً وطائفياً، وتواصله يعني استمرارية التوتر وحاجة ذلك التوتر للأسلحة وعتاد الحرب.