بقلم : خالد القشطيني
كان المسرح والأدب المسرحي شغلي الشاغل في فجر حياتي الأدبية. درست تاريخه ونظرياته وقرأت وشاهدت منه الكثير، كما كتبت فيه عدة مسرحيات، وأخرجت شيئاً منها. ولا عجب قط في أن أعود إليه بين آونة وأخرى، فأكتب عنه، وأسترجع بعض تجاربه وأحداثه، كما لا بد أن لاحظ القراء ذلك مؤخراً.
بيد أن كثيراً مما يستمتع به الجمهور من زياراتهم للحفلات المسرحية لا ينحصر فقط فيما يجري ويقال على خشبة المسرح، وإنما يتعدى ذلك إلى ما يجري في الكافيتريات والمطاعم والممرات والصالونات المرتبطة بالمسرح. فهناك يتطلع البعض إلى الالتقاء والحديث مع الممثلين والمخرجين والمصممين والمؤلفين. ويستمتع هؤلاء بدورهم بالتقائهم مع جمهورهم.
غير أنهم كثيراً ما يعانون من مزعجات الجهلاء، من جمهورهم وتعليقاتهم البذيئة والمحرجة. يَروي شيئاً من ذلك الأديب والمسرحي البريطاني الشهير كيث ووترهاوس، فيقول إنه لاحظ ذلك في حوار جرى بين امرأة وأحد الممثلين العاطلين. أقحمت نفسها في الكلام معه فمدت يدها إليه، وقالت؛ اسمح لي أن أصافحك لأهنئك على ما قمت به من دور في هذه المسرحية. فأجابها معتذراً: «آسف. أنا ليس لي أي دور فيها». فقالت له؛ إذن فعطيل. نعم، تذكرتك فيها. في مسرحية عطيل لشكسبير. لقد أجدت دورك فيها. قال لها؛ كلا، لم أقم بأي دور فيها. إنك مشتبهة. قالت؛ ولكنني لا بد أن رأيتك على المسرح في أحد الأعمال. أتذكرك جيداً. وقد أعجبت بك وبتمثيلك.
اضطر في الأخير أن يبيح بأسرار حياته الخاصة، فهمس في أذنيها، وقال؛ إنه طوال الأشهر الماضية، لم يقم بأي دور على المسرح. اشترك فقط بدور صغير على الراديو لمدة أسبوع واحد. وليطمئنها على ذلك، قال لها إنه لا يقوم بأي شيء على المسرح، ولكنه الآن يبيع الآيس كريم في مخازن «هارودز» بلندن. قالت؛ نعم، نعم. ألم أقل إنني رأيتك سابقاً في مكان ما، وكنت تجيد تماماً أداء عملك. هذا ما كان.
سمع كيث ووترهاوس كل هذا الحوار، فقال: إقحام نفسك بكلام بغيض على الممثلين والمخرجين والتطفل في الحديث إليهم شيء مزعج. لكنه يصبح أكثر إزعاجاً عندما يكون المتطفل جاهلاً في موضوعه، ومخطئاً في طروحاته كما كانت هذه السيدة. وأمثالها كثيرون في دنيا الحياة المسرحية، عندهم في الغرب وعندنا في المشرق.