بقلم : خالد القشطيني
هذا قول بليغ في وقعه حكيم في مغزاه، وشائع في استعماله. وأعتقد أنه له أساسه العلمي الرصين. المقصود فيه أن المعاملة الطيبة تفوق في أثرها ما يعطيه الطبيب من دواء أو علاج.
سمعت مرارا في هذا الصدد، ونتفق على أن الخشونة التي قد نجدها في بعض المستشفيات تؤثر سلبيا على المريض. سمعت حتى من بعض الأطباء أن جل مستشفياتنا مجهزة بأحدث المعدات وأكفأ الاختصاصيين ولكن عنصر الرقة والطيبة مفتقد بما يؤدي إلى نسف العلاج.
«الطيب غلب الطبيب» كلمة حكيمة قيلت في هذا المعنى. غرضها حث القائمين في العلاج على الترفق فيما يقولونه ويقومون به. كثيرا ما يؤدي الإهمال في معاملة المريض إلى نتائج وخيمة. سمعت الكثير من الحكايات عن النتائج المرعبة لما يحدث أحيانا في عياداتنا ومستشفياتنا. سمعت عمن دخلوا المستشفى لعلاج المعدة وخرجوا مبتلين باعتلال الرئتين، أو بالعكس. وينطبق القول على المعاملات بين الناس وبين الناس وموظفي الدولة.
ومن هذا المنطلق اكتشف الغربيون دور الموسيقى في معالجة الكثير من العلل. تحول الموضوع إلى فرع خاص من علم الطب، يسمونه العلاج بالموسيقى، ميوزك ثربي، وهو فرع خاص يدرسونه في شتى الجامعات الغربية، ويعتمد عليه كثير من الشباب في كسب معيشتهم. أصبحوا يعتبرون سماع الموسيقى المناسبة نوعا من الطيبة الذي يغلب الطبيب.
كثيرا ما تحولت الطيبة في معاملة المرضى إلى وقوع المريض في حب ممرضته. أدت أحيانا إلى الزواج بها أو التوصية بتوريثها ثروته. ومن المعتاد أن ينبهوا الممرضات إلى وضع حد، خط أحمر، في معاملة المريض بالطيب والطيبة. ولكن بعض الممرضات يقفزن على الخط الأحمر. الرأي الأخير لهن. ومن الطرائف في هذا الموضوع أن ذهب الجنرال مارك آرثر لزيارة أحد زملائه في المستشفى. وفيما كان يهم بالدخول للغرفة اصطدم بالممرضة وهي في طريقها للخروج. دخل وجلس بجانب المريض وبادره بالسؤال: كيف حالك توم؟ فأجابه أنه في أحسن حال لقد ذهبت عنه الحمى. فعلق على ذلك الجنرال مارك آرثر وقال: «أي نعم. رأيتها تخرج من الغرفة».
بيد أن أميركيا آخر، الجنرال أمرسن قال: «الشفاء من كل العيوب والخلاص من الجرائم هو المحبة». وهذا ما أوصى به المهاتما غاندي في شن حملته من أجل استقلال الهند على فكرة المحبة. اعتاد القوم في تونس على التأكيد على عنصر الطيبة فراحوا يصفون الرجل الطيب بقولهم: «حطه على الجرح ليبرأ». ولا شك أن الشحاذين يعتمدون في تسولهم على ترديد هذه الحكمة: «عطايا قليلة تدفع بلايا كثيرة».