جددت الولايات المتحدة اتهامها إيران بدعم الإرهاب. وقال تقرير الخارجية الأميركية الذي صدر بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، إن إيران تتصدر قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأضاف أنها أنفقت في عام 2018 نحو مليار دولار لدعم جماعات إرهابية دولية، بينها «حزب الله» اللبناني وحركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» الفلسطينيتان، إضافة إلى تقديم ملاذ آمن لجماعات إرهابية ومنها تنظيم «القاعدة» وبعض قيادات منه.
وكلام الخارجية الأميركية عن دعم إيران للإرهاب، مكرر ومتواصل منذ خمسة عشر عاماً، وهو التاريخ الذي بدأت فيه الخارجية إصدار تقرير سنوي عن حال الإرهاب في العالم، تصنف فيه وتصف الجماعات الإرهابية عبر العالم وأساليب عملها وعلاقاتها، وكانت إيران في قائمة الدول الداعمة للإرهاب في التقرير الأول إلى جانب كل من سوريا والعراق وكوريا الشمالية، وقد تطور وضع إيران في القائمة لتصير الدولة الأولى في رعاية الإرهاب.
وتستند فكرة رعاية إيران للإرهاب إلى علاقات طهران مع الجماعات التي تمارس الإرهاب، وفيها عشرات التنظيمات المسلحة المنتشرة في بلدان الخليج والمشرق العربي، إضافة إلى شمال أفريقيا وبعض الدول الإسلامية، وتضم القائمة، إضافة إلى تنظيمات أخرى سبق ذكرها «الحشد الشعبي» و«عصائب أهل الحق» العراقيين، و«ميليشيا الحوثي» اليمنية، ولواء «زينبيون» الباكستاني، ولواء «فاطميون» الأفغاني.
والنقطة الثانية في رعاية إيران للإرهاب، تتصل بالمساعدات التي تقدمها طهران للجماعات الإرهابية، وهي مساعدات متعددة التخصصات، حيث تشمل مساعدات مالية، وتسليحية وتدريبية، إضافة إلى تزويدها بالمعلومات والخبرات العسكرية والأمنية، وقد أوضح حسن نصر الله الأمين العام لـ«حزب الله» على سبيل المثال، أن إيران تغطي كل احتياجات الحزب وأعضائه ومؤيديه في لبنان، وقال تقرير الخارجية الأميركية الأخير حول الإرهاب، إن إيران أنفقت نحو مليار دولار على تمويل الجماعات الإرهابية التي ترعاها، وإن كان الاعتقاد، أن المبلغ أكثر من ذلك بكثير.
والنقطة الثالثة في دعم ورعاية إيران للجماعات الإرهابية، أن طهران ترسل خبراءها العسكريين والأمنيين لدعم نشاطات الجماعات الإرهابية المرتبطة بها، إذا واجهت تلك الجماعات تحديات أمنية أو عسكرية، بل إنها لا تتأخر في إرسال قواتها، إذا تطلب الأمر ذلك، والأمثلة في ذلك كثيرة، فكثير من الخبراء العسكريين والأمنيين الإيرانيين، استقروا في لبنان لمساعدة «حزب الله» منذ تأسيس الحزب وحتى الآن، بل إن قوات إيرانية استقرت هناك لسنوات في فترات سابقة، وقد تكرر ذلك في سوريا على نحو واسع في السنوات الثماني الأخيرة، وحدث أيضاً في اليمن، وقبلهما جرى ذلك في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين.
وإذا كان دعم الإرهاب يمثل جزءاً من سياسة السلطات الإيرانية، فإن هناك جزءاً آخر من تلك السياسة، أهم مما سبقه، وهو ممارسة إيران لإرهاب الدولة، وهي سمة عامة لبست سياسة إيران منذ وصول الملالي بزعامة آية الله الخميني إلى السلطة عام 1978، وقد تعددت وتنوعت حالات إرهاب الدولة التي تابعها نظام الملالي في العقود الأربعة الماضية.
أول أنواع إرهاب الدولة، مما مارسته إيران، كان الإرهاب الداخلي الموجه ضد الإيرانيين أنفسهم بدفع القوة العسكرية وأجهزة الاستخبارية مراراً ضد التحركات الشعبية، والتي كان في عدادها الثورة الخضراء عام 2009. وتداعياتها في 2010. واحتجاجات عام 2019. والتي شملت عمليات قمع وحشية، تضمنت مجازر وإعدامات خارج القانون، والتي قاربت ما فعلته آلة القمع الإيرانية مع تحركات العرب والأكراد في ولايات الغرب الإيراني بهدف إرهابهم، وثنيهم عن استمرار نضالهم من أجل حياة أفضل خارج استبداد التشدد الإيراني.
والنوع الثاني من إرهاب الدولة الذي تتابعه سلطة الملالي، الإرهاب الخارجي والذي يضرب مصالح دول، ويتدخل ضد شعوب، وكله لا يتم فقط بواسط القوة العسكرية - الأمنية للنظام، بل يمكن أن يتم بواسطة أدوات إيران من الجماعات والميليشيات التابعة، أو بمشاركة الطرفين على نحو ما يبدو إرهاب الدولة الإيراني في سوريا وفي اليمن، إذ تتشارك القوات الإيرانية ومنها الحرس الثوري، وميليشيات «حزب الله» و«عصائب أهل الحق» العراقية، و«الزينبيون» الباكستانيون و«الفاطميون» الأفغان في المقتلة السورية بهدف إعادة السوريين إلى حظيرة النظام، وهي صورة تقارب ما تقوم به إيران وميليشياتها في اليمن.
إن دلالات ممارسة إيران لإرهاب الدولة ظاهرة وواضحة على نحو ظاهرة دلالات دعم إيران للإرهاب وجماعاته. فإرهاب الدولة يكون في تحول مؤسسات إيران، ولا سيما العسكرية - الأمنية إلى كيانات إرهابية، وقد وصف الحرس الثوري الإيراني بالإرهاب، وهو يشكل قوة رئيسية عسكرية وأمنية واقتصادية في هيكل نظام الملالي، ويعتبر القوة الرئيسية لتدخلات إيران الخارجية والمشرف الرئيسي على أعمال أدوات إيران الخارجية وميليشياتها، وتمت تسميته منظمة إرهابية في العام الماضي بعد مشاركته في ممارسة قمع الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة من جهة، وانخراطه في قتل الشعب السوري وتدمير قدراته.
كما أن إرهاب الدولة يجد تعبيره في توظيف المؤسسة الأمنية للقيام بأعمال إرهابية ضد معارضي النظام في الخارج، مما يعني ليس القيام بجرائم جنائية وسياسية فحسب، بل بخرق القوانين الدولية، وقد واجهت المخابرات الإيرانية بمشاركة جهازها الدبلوماسي في العام الماضي، تداعيات نشاطها في عدة دول أوروبية، حيث كانت تخطط لتفجير أحد اجتماعات المعارضة الإيرانية.
إن رعاية الإرهاب بالنسبة لدولة ما، لا يمكن أن يكون منفصلاً عن مسار وسياسات الدولة ذاتها في ممارسة الإرهاب بصورة رسمية، وهذا عملياً لا يمكن تلمسه فقط في حالة إيران، بل في حالة الكيانات الشمولية التي تماثل إيران، والإشارة هنا إلى نظام الأسد في سوريا الذي لا يدعم الإرهاب فقط، بل يمارسه أيضاً على أوسع نطاق في عهد الابن، كما كان في عهد الأب قبله.