الظاهر الروسي والخفي الأميركي في سوريا

الظاهر الروسي والخفي الأميركي في سوريا!

الظاهر الروسي والخفي الأميركي في سوريا!

 العراق اليوم -

الظاهر الروسي والخفي الأميركي في سوريا

بقلم : فايز ساره
بقلم : فايز ساره

تزايد على نحو لافت للنظر عدد الذين يعتقدون، أن موسكو وسياساتها في سوريا، هي المتحكم الرئيسي في القضية السورية، وأنها منذ تدخلها العسكري الواسع والمباشر في أواخر العام 2015 زاد حضورها وتأثيرها في القضية السورية لدرجة أصبحت فيها اليوم، صاحبة القرار الرئيسي في المصير السوري، ونتيجة الصورة الروسية الشائعة، تبنى كتاب ورجال سياسة ممن يتابعون القضية السورية إلى ذات الاعتقاد، وزاد عدد المبشرين بالعصر الروسي في سوريا، وأن موسكو صاحبة قرار الحسم في المصير السوري خاصة في ضوء ما يتواصل من تطورات ميدانية راهنة في إدلب ومحيطها وحولها، والذي أدى إلى تآكل وجود التشكيلات المسلحة هناك، واستعادة النظام للسيطرة على نحو ثلث المنطقة، تمهد لسيطرته الكاملة على ما تبقى في وقت لاحق.


وسط المعطيات المحيطة بالوجود الروسي ومجريات التطورات الراهنة في إدلب وحولها، وما يدور حولهما من تزايد للتأثير الروسي الظاهر في القضية السورية. يبدو من المهم استعادة بعض المعطيات والوقائع والتدقيق فيهما، وإعادة تقييم الوضع، ورؤية احتمالاته في المسارات القريبة والبعيدة في القضية السورية.


ولعل أهم ما ينبغي استعادته من الوقائع والمعطيات، تأكيد أن روسيا دولة عظمى، وأن كل الأطراف، لا يمكنها تجاهل وجودها ومصالحها في سوريا، وارتباط الأخيرة بتاريخ وإرث متعدد المحتويات والمستويات مع روسيا، بالإضافة إلى وجود علاقات مميزة روسية مع إسرائيل وتركيا جارتي سوريا في الجنوب والشمال على التوالي، والأهم فيما ينبغي استعادته حقيقة تفويض الولايات المتحدة روسيا بالملف السوري، ولولاه ما كان بإمكان الروس، أن يتدخلوا عسكرياً بالشكل الذي تم في العام 2015 بعد أربعة أعوام ونصف العام من الصراع في سوريا.


وللحقيقة، فإن التفويض الأميركي لروسيا في سوريا، ليس منحة، إنما حاجة ومصلحة أميركية لإدارة قررت، ألا تتدخل مباشرة في قضية معقدة ومكلفة، وتستلزم القيام بأعمال قذرة، يشارك فيها خصوم معلنون لها بينهم إيران وميليشياتها ونظام الأسد، والروس راغبون في القيام بالمهمة، ويملكون كل الإمكانيات اللازمة، وفوق ذلك كله، فإنهم لن يكلفوا واشنطن أي أعباء سياسية أو مادية، بل سيجعلون من واشنطن، حيث رغبت في أن تظهر معارضتها لسياسات مواقف الروس القائمين بالمهمة، ويمكن لها في أي مرحلة من المراحل، أن تتدخل لتكون طرفاً في تسوية، تحفظ لها مكانتها وحصتها في الكعكة السورية.


قبول موسكو بالتفويض الأميركي في سوريا، كان ولا يزال يلبي كثيراً من مصالح الروس. فهو يعيدهم إلى سوريا ومياه المتوسط بعد أن سجلوا فيهما غياباً شبه كامل لسنوات طويلة، ويسمح لهم بالسيطرة على موارد ومزايا بلد له مكانة إقليمية مهمة أو المشاركة فيها على الأقل، ويقوي حضورهم الإقليمي وعلاقاتهم مع دول المنطقة على اختلافها وخلافاتها، ويخفف من إثر العقوبات المفروضة عليهم بسبب سياساتهم في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، بل ويجعل من وجودهم في سوريا ومنطقة شرق المتوسط بوابة لمساومات وتسويات في موضوعات أخرى متعددة.


وسط تلك المعطيات والوقائع، مضى التفويض الأميركي للروس في سوريا محاطاً بآمال متناقضة من الطرفين الروسي والأميركي. حيث الأول يأمل أن يكون تدخله في سوريا فرصة لاستعادة كاملة لمكانته عبر منافسة واشنطن على سيطرتها الإقليمية، وأن يستعيد الروس مكانتهم في منافسة واشنطن على زعامة العالم، فيما يأمل الثاني في إبقاء الدور الروسي في إطار استراتيجيته، وجعله أداة غير مباشرة في خدمة أهدافه في سوريا والمنطقة، ومن هذا الموقع، يمكن مراقبة سياسات وسلوكيات الإدارة الأميركية في التعامل مع الروس في سوريا بالتدقيق في ثلاث نقاط أساسية، أولها مقاومة الولايات المتحدة لأطروحات الحل الروسي في سوريا، وهذا ما بدا واضحاً في حرص واشنطن على منع تغليب آستانة وسوتشي على المسار الدولي في جنيف، الذي لا ترغب الولايات المتحدة في دفنه، حتى لا يصبح المسار الروسي بديلاً عنه.


والنقطة الثانية، إصرار واشنطن على خلق حليف محلي قوي ومضمون، وهو ما وجدته بقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، التي يمثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي(PYD) قوتها الرئيسية، حيث أشركته في الحرب على «داعش»، وساعدته في السيطرة على منطقة الجزيرة، التي تمثل خزان القدرات الأساسية في سوريا ومنها المياه والنفط والغاز والزراعات الاستراتيجية من حبوب وقطن، وعندما حاول الروس عبر مرتزقتهم من منظمة فاغنر التمدد في المنطقة بالهجوم على قاعدة قوات سوريا الديمقراطية قرب حقول نفط دير الزور في فبراير (شباط) 2018، قام الأميركيون بتدمير المهاجمين على وجه السرعة دون أن يتجرأ الروس على الاعتراض، بل رفضوا مجرد الاعتراف بوجود مرتزقتهم.


النقطة الثالثة، تثبيت وجود عسكري أميركي في سوريا. ولئن بدا هذا الوجود رمزياً من حيث عدد القوات وما يرافقها من معدات، فلا بد من النظر إليه بما يتجاوز تلك الرمزية من حيث وجود نحو عشر قواعد عسكرية أميركية في الأراضي السورية، تضاف إلى قواعد تدعمها موجودة في الجوار وخاصة التركي والعراقي، ثم هناك الحلفاء المحليون المضمونون على الأرض من قوات «قسد» الذين أثبتوا حرصهم الشديد على البقاء في الحضن الأميركي الذي وإن لم يوفر لهم فرصة انتصار مشروعهم، فإنه حماهم من الدمار على أيدي خصومهم الكثيرين.


خلاصة القول، فإن الوقائع تؤكد، أن الصورة عن الروس في حضورهم وتأثيرهم في سوريا، ليست كما تبدو، وأن مشكلة السوريين الحقيقية، ليست عند الروس، ولا في وجودهم وسياساتهم رغم ما يمثله ذلك من أهمية في بعض السياسات والمواقف. بل إن المشكلة عند الأميركيين الذين أعطوا تفويضاً للروس، لا يؤهل الأخيرين للمضي إلى حل كامل، ولا يجعل الأميركيين يذهبون إلى حل يرونه مناسباً في القضية السورية، وفي ظل استمرار الوضع على ما هو عليه فإن المسلسل سيظل مستمراً، ويظل السوريون بانتظار حل بعيد لقضيتهم.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الظاهر الروسي والخفي الأميركي في سوريا الظاهر الروسي والخفي الأميركي في سوريا



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 20:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 03:12 2012 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

الشوكولاته البديل الأمثل للنساء عن الجنس

GMT 12:46 2015 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

10 أفكار لترتيب أكواب الشاي في المطبخ بشكل أنيق

GMT 23:47 2021 الأحد ,14 شباط / فبراير

توجيه جديد خمن وزير الصحة لعلاج فناني العراق

GMT 12:45 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

ديكورات حمامات ضيوف فخمة

GMT 02:22 2016 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

طلائع العبري تتدفق على أسواق محافظة وادي الدواسر

GMT 04:31 2016 الجمعة ,21 تشرين الأول / أكتوبر

كورتني كارداشيان تستعرض ساقيها في ثوب أسود مثير

GMT 19:46 2016 الثلاثاء ,05 إبريل / نيسان

والدة خاميس رودريجيز قررت الهجوم على زيدان

GMT 14:28 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

امطار رعدية على مرتفعات الطائف وجنوب مكة والباحه وعسير

GMT 11:33 2013 الأحد ,19 أيار / مايو

"إخوة يوسف" للجزائري أحمد شنة قريبًا

GMT 00:40 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

خبراء يذكرون 5 فوائد للجنس غير بقاء البشرية

GMT 06:56 2016 الإثنين ,07 آذار/ مارس

مجمع ترفيهي روماني قديم تحت الأرض في القدس

GMT 05:24 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

النجمة ياسمين صبري تستعد للمشاركة في "جراب حواء"

GMT 22:23 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

دليلك لتجهيز شنطة سفر البيبي للخارج

GMT 21:59 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

تجاهل علاج ارتفاع ضغط الدم يحوله إلى "قاتل صامت"
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq