أتمنى على اللبنانيين والعراقيين ألا ينتظروا ردة فعل الولايات المتحدة أو حتى الأمم المتحدة أو أي جهة غربية من حراكهم، فهذه الدول يسيطر فيها «اليسار» الساذج الذي دمر منطقتنا بجهله وعدم إدراكه اعتقاداً منه أنه إنما يهدينا السعادة على يد الأحزاب الدينية التي دعموها ضدنا نحن الشعوب العربية.
على اللبنانيين والعراقيين ألا يستعينوا بأي من مبعوثي الغرب أو مندوبيه؛ فلم يجلب هؤلاء سوى الخراب، فقد ضاعت بوصلتهم مع الشرق وهم حيارى فينا وفيما نحتاج وما نريد.. هذا أقل وصف ممكن أن نصف به موقف المجتمع الدولي المصدوم برفضنا «هداياهم» الثمينة وديمقراطيتهم المغشوشة هذه.
هم حيارى لماذا ترفض الشعوب العربية الأحزاب الدينية في مصر في البحرين في العراق في لبنان؟ يستغربون من حراكنا المناهض للدولة الدينية التي وضعوا أسسها في العراق بعد إسقاطهم نظام صدام، وسمحوا بقيامها في لبنان بدعمهم «حزب الله»، وكادوا ينجحون في قيامها في مصر والبحرين لولا تصدي الشعبين للأحزاب الدينية المدعومة منهم. توقعوا أن نهلل ونرحب بهذه الأحزاب فإذا بالثورات تعم الدول العربية ضدها وضد من يتحالف معها، سواء كان حليفاً محلياً أو أجنبياً.
تقول الباحثة في معهد واشنطن آنا بورشفسكايا «يمكن قَوْل الكثير عن الأخطاء التي ارتُكبت بعد غزو العراق عام 2003، لكن لا يمكن الإنكار بأنه جلب الحرية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن 40 في المائة من العراقيين ولدوا بعد عام 2003، ولا يعرفون سوى ديمقراطية العراق غير المستقرة. لكن مع تلاشي (صدام) من الذاكرة، فمن المحتمل أن يصدّقوا الوعود البديلة بصورة أكثر، العراق لم يضِع بعد. لكن لو استمررنا في تجاهله، فسيضيع قريباً» - (انتهي الاقتباس).
تخشى الباحثة الأميركية، وهي من أصل روسي، أن يتمنى العراقيون عودة الأمن على يد قيادة قوية حازمة، فبعد مضي ستة عشر عاماً على سقوط نظام صدام حسين وبعد تغلغل النفوذ الإيراني في العراق وهيمنته على السلطة، وبعد تعزيز نفوذ المراجع الدينية برعاية أميركية بقيت حقائق مهمة لا بد أن تقر بها الولايات المتحدة.
الشعوب العربية لفظت الأحزاب الدينية ذات المرجعيات الإيرانية أو التركية، بل إن شيعة العراق هم الذين ماتوا بالرصاص الإيراني في الاحتجاجات الأخيرة التي جرت في العراق وهم جيل ولد بعد سقوط صدام، والعراق شبه منقطع عن عمقه الاستراتيجي العربي.. جيل ترعرع في ظل امتداد النفوذ الإيراني وهيمنته على العراق، ومع ذلك ثاروا وهم أكثر الذين سقطوا برصاص القناصة الإيرانيين.
النزعة القومية العربية تنامت بسبب دعمكم أحزاباً دينية إيرانية أو تركية، الشعوب العربية تثور الآن ضد الحكومات الضعيفة التي تحالفت مع الأحزاب الدينية لتجمل صورتها وتمثل واجهتها المدنية الكاذبة. مايكل نايتس، باحث في معهد واشنطن، يقدم صورة قاتمة عن ضعف الحكومة العراقية التي جاءت عن طريق «الحرية» الهدية الأعظم التي قدمتها الولايات المتحدة للعراقيين والتي تلاشت أمام تسلط إيران وامتداد نفوذها «تعاونت مجموعة من الميليشيات المدعومة من إيران ومسؤولي الأمن مع مستشارين إيرانيين لتصميم هذه المقاربة الأكثر صرامة، والتي تضمنت اغتيالات ونيران قناصة وهجمات بطائرات من دون طيار وترهيباً واعتقالات غير قانونية وانقطاع الإنترنت. وعندما نشرت بغداد نتائج التحقيقات التي توصلت إليها فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في 22 أكتوبر (تشرين الأول)، حددت فقط صغار الضباط، وتجنبت الانتهاكات الرئيسية مثل هجمات القناصة والاعتداءات على محطات التلفزيون، وامتنعت عن تسمية أي من القادة المتورطين من الميليشيات المدعومة من إيران».
لذلك؛ تخشى الولايات المتحدة من عودة الديكتاتوريات تحت ظل النزعة القومية العربية لدى هذا الجيل الذي هو مستعد لأن يتخلى عن المكتسبات التي «أهدتها» أميركا للعراقيين، وأهمها «الديمقراطية الهشة» مقابل أمن يفرضه مستبد عادل!
وبسذاجة منقطعة النظير، تقول آنا بورشفسكايا في معهد واشنطن: بعد مضي ستة عشر عاماً على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح نظام صدام حسين، يواجه العراق تحديات هائلة، إلا أنه لا يزال يتمتع بدرجة من الحرية لا تتمتع بها أي دولة في الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل وربما تونس. وإنّ توافر الأمن والفرص الاقتصادية هو أمر مهم. لقد احتج العراقيون هذا الشهر لأنهم سئموا، وبحق، من نقص الخدمات الأساسية وتفشي الفساد والبطالة على نطاق واسع، فضلاً عن النفوذ الإيراني المتزايد في بلادهم.
هذا الشعور بالإحباط لا يأتي فقط من السنّة العراقيين، بل من الشيعة أيضاً. وفي الواقع، تُظهر استطلاعات الرأي أن الطائفية في العراق قد انخفضت في السنوات الأخيرة، لتنمو محلها النزعة القومية؛ الأمر الذي يشكّل تطوراً إيجابياً.
لكن إذا استمرت الولايات المتحدة في تجاهل العراق، فستضيع هذه الحرية الهشّة التي حققتها البلاد بشقّ الأنفس.
لذلك؛ فليعتمد العراقيون على أنفسهم فقط وليحذروا مد اليد الغربية بادعاء المساعدة أياً كانت؛ فكلها ملغومة في ظل طغيان «اليسار الغربي» الساذج الذي سيعيد تعزيز موقع الأحزاب الدينية التي نرفضها.