بقلم : مشاري الذايدي
أمير الكويت، المرحوم، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، اختزل في سيرته ومسيرته حياة الكويت السياسية وتاريخها التنموي، بل هو جزءٌ أصيلٌ، من تاريخ النهضة الخليجية عقيب الانسحاب البريطاني الكبير من الشرق الأوسط والخليج.
دخل الراحل الكبير الشيخ صباح العمل السياسي الكويتي ومجال الشأن العام عام 1954 عضواً في اللجنة التنفيذية العليا لـ(الإرشاد والأنباء)، لاحقاً صار الإعلام، حتى تولى منصبه التاريخي الذي منحه لقب عميد الدبلوماسية العربية، وهو منصب وزير الخارجية الكويتية منذ عام 1963 حتى 1991.
في 1992 تولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء إلى جانب وزارة الخارجية، ورئيساً لوزراء الكويت عام 2003، ثم نودي به أميراً للكويت في يناير (كانون الثاني) 2006.
كان الشيخ صباح مؤسساً حقيقياً للكويت الحديثة بعيد الاستقلال في مطلع الستينات، فقد كان عضواً في اللجنة التأسيسية التي وضعت الدستور الكويتي، وهو أول من رفع علم الكويت فوق مبنى هيئة الأمم المتحدة لدى الموافقة على الانضمام إليها 1963، وهو الأمر الذي كان لا يرضي بعض كارهي الاستقلال الكويتي، في مقدمتهم رموز في الجار العراقي.
الشيخ صباح يتمتع بمعرفة تلقائية عفوية عميقة بالنسيج الكويتي، فهو الطفل الذي تربَّى في بلدة الجهراء شمال غربي الكويت حيث ولد عند أخواله، يونيو (حزيران) 1929. وظل فيها حتى الرابعة من عمره ليستقر بعدها في قصر السيف بالكويت، ويتربَّى مع أخيه الشيخ جابر الأحمد، الأمير الراحل.
الحق، إنَّه ورغم الأحاديث القليلة عن سيرته، على لسانه شخصياً، يعتبر الشيخ صباح الأحمد، مع أخيه جابر الأحمد، وابن عمه الأمير الراحل ولي العهد الشهير الشيخ سعد العبد لله، وقبلهم طبعاً أمير الدستور الشيخ عبد الله السالم، هذه الضميمة من أمراء البيت الحاكم في الكويت، صناع وجه الكويت ونهجه منذ خمسينات القرن الماضي.
مرّت الكويت بامتحانات صعبة، كان الشيخ صباح شاهداً عليها أو مكلّفاً بتجاوزها أو وجد نفسه فيها بمكان صاحب القرار الأول مذ كان أميراً للبلاد، بل قبل ذلك ربما.
مثلاً، تهديدات عبد الكريم قاسم، مواجهة الحركات الشيوعية والقومية واليسارية الثورية في الكويت، ثم تهديدات الحركات الشيعية الثورية بقيادة الحرس الثوري (تفجير موكب الأمير جابر الأحمد، وتفجيرات المقاهي الشعبية واختطاف طائرة الجابرية، ولاحقاً خلية العبدلي) ثم الامتحان الأصعب في تاريخ الكويت الحديث، وهو الغزو العراقي الصدّامي للعراق 1990.
قدره كان أن يواجه المخطط الكبير للانقلاب أو شبه الانقلاب الإخواني في الكويت، مع من حالفهم من بعض الشعبويين، في معمعة الربيع العربي من 2011 إلى 2013 وعبر بالبلاد تسونامي الفوضى و«عجاج» الفتن.
صعب إن لم يكن محالاً، إيفاء السيرة الصباحية حقها في هذه العجالة.
ليت الباحثين والمؤرخين، وأولهم الطرف الرسمي الكويتي، يتصدون لتوثيق «كل» حياة الراحل الكبير، الشيخ صباح بن أحمد بن جابر بن مبارك الصباح... رحمه الله.