الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية

الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية!

الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية!

 العراق اليوم -

الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية

بقلم - هدى الحسيني

في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، رفعت جيبوتي الرهانات في نزاعها مع شركة «موانئ دبي العالمية»، وهي هيئة الموانئ المملوكة للدولة في دبي، على أساس أنها تسعى، وهي الدولة الصغيرة الواقعة في شرق أفريقيا، إلى إبعاد أحد مراكز الشحن الرئيسية خارج الدولة الإماراتية.
إذا سلمنا بالتبرير، فقد يبدو هذا الأمر ليس أكثر من طموح دولة ناشئة، تريد تحرير نفسها من عقد مقيد. لكن إذا تعمقنا فإن الخلاف له تداعيات جيوسياسية كبيرة، لا سيما بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وفي محاولتها افتعال مشكلة مع «موانئ دبي العالمية»، فإن جيبوتي تهدد بإخلال توازن القوى في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية سياسياً؛ لأنها تعطي دفعة كبيرة للصين، في وقت يغزو الصقيع العلاقات بين واشنطن وبكين، إلى درجة أن الحديث عن حرب باردة قد بدأ.
منذ شهر فبراير (شباط) الماضي، وجيبوتي تحاول التخلص من «موانئ دبي العالمية»، عندما أنهت عقد الشركة المشترك في محطة الحاويات «دوراليه»، وسيطرت عليها. لكن «موانئ دبي العالمية» حصلت على أمر قضائي من محكمة بريطانية، حكمت بأن الاستيلاء غير قانوني، كما فازت بحكم منفصل من المحكمة العليا في لندن، يمنع حامل أغلبية أسهم «دوراليه»، «مرفأ جيبوتي» من إخراجها من العقد. فما كان من حكومة جيبوتي إلا أن ردت بتأميم «شركة مرفأ جيبوتي» بمعنى أنها سحبت ميناء «دوراليه» من خارج النطاق التجاري.
يقول المسؤولون المحيطون بالرئيس إسماعيل عمر جيلة: «إن الحكومة تحاول ببساطة حماية السيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي». إن المعركة التي فتحتها جيبوتي مع «موانئ دبي العالمية» تتسق بالتأكيد مع سياسة جيلة المقتحمة، التي تسعى لاستغلال موقع جيبوتي، باعتباره بوابة إلى البحر الأحمر وقناة السويس، إذ تقريباً، كل التجارة البحرية بين أوروبا وآسيا التي تبلغ قيمتها نحو 700 مليار دولار سنوياً، تمر في جيبوتي إلى أماكن توجهها، وتريد حكومة جيلة تحويل جيبوتي إلى مركز تجاري إقليمي، لا يختلف في الواقع عن دبي، وهكذا أطلق جيلة نوبة من المشروعات التنموية، وفتح ثلاثة موانئ جديدة في العام الماضي، وأقام مركزاً جديداً ضخماً للتجارة الحرة في ميناء «دوراليه» المتنازع عليه، ويتوقع أن تكون أكبر منشأة في أفريقيا.
لكن خلف خطاب حكومة جيبوتي، يرى المراقبون يداً خفية تمتد من بكين. والمعروف أن الصين تقوم ببناء شبكة تجارية عالمية من خلال برنامجها الاستثماري «الحزام والطريق»، الذي تبلغ تكلفته تريليون دولار، وتعتبر جيبوتي قطعة أساسية في المشهد الكبير، فهي قناة إلى أفريقيا، وبالتحديد إلى إثيوبيا، إحدى وجهات الاستثمار الصيني الرئيسية. لقد أقرضت البنوك الصينية جيبوتي أكثر من 1.4 مليار دولار في العامين الماضيين، أي أكثر من 75 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، ومولت عدداً من مشروعات البنية التحتية، لا سيما خط السكك الحديدية إلى أديس أبابا. كما أن الصين بنت منطقة التجارة الحرة الجديدة في «دوراليه» بالأموال والقوة البشرية الصينية، وسيتم تشغيلها في مشروع مشترك مع شركة «China Merchants Holdings» المملوكة للدولة.
من غير المستغرب أن تكون هذه الخطوات أثارت غضب «موانئ دبي العالمية» التي هددت الصين باتخاذ إجراءات قانونية بشأن ما اعتبرته محاولة إبعادها عن صفقة «دوراليه»؛ لكن الغضب لا يقتصر فقط على دبي، إذ إن هناك مخاوف أيضاً في واشنطن؛ حيث ناقش المشرعون وبأسلوب قلق احتمال أن يمنح جيلة ميناء «دوراليه» بأكمله إلى الصين كـ«هدية». ولو كان هذا مجرد مسألة تجارية، فإن الأمر لا يبرر عقد جلسة للكونغرس الأميركي؛ لكنه أبعد من كونه مسألة تجارية.
لقد قامت الصين بالفعل ببناء قاعدة عسكرية في «دوراليه»، بجوار محطة الحاويات، وهذا يسبب مشكلات للولايات المتحدة حيث تقع منشآتها العسكرية: «معسكر ليمونيه»، الذي يبعد مسافة يمكن قطعها على الأقدام.
بالطبع تصر الصين على أن مشروع «الحزام والطريق» هو وببساطة لبناء شركة تجارية في القرن الحادي والعشرين، ويؤكد الرئيس شي جينبينغ أنه سيعامل جيبوتي كشريك على قدم المساواة؛ لكن بالنسبة إلى المنتقدين فإن توسع الصين في جيبوتي، واعتبارها شريكاً على قدم المساواة مع الصين، إنما هو لعب بالكلمات شديد السخرية، به تغري الصين «شريكها» الأكثر فقراً في منح الديون بقروض رخيصة، قبل أن تغلقها لإغراق الأصول ذات الأهمية الاستراتيجية. هذه الاستراتيجية المرفقة بالهدايا أسفرت عن حصول الصين على عدد من المرافق الأجنبية الرئيسية، لا سيما ميناء «هامبانتوتا» في المحيط الهندي، 
ونلاحظ الآن في ماليزيا كيف أن رئيس الوزراء مهاتير محمد ألغى عقدين مع الصين بقيمة 20 مليار دولار تقريباً، كي لا تغرق بلاده في ديون غير قادرة على الإيفاء بها، وها هو أيضاً عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني الجديد، يبحث عن تمويل آخر، ليتخلص من مخالب الصين، وكانت أول زيارة له لأجل هذا السبب إلى المملكة العربية السعودية.
أما بالنسبة إلى جيبوتي، فإن ارتفاع نسبة الدين يشكل 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويرجع «الفضل» في ذلك وإلى حد كبير إلى القروض الصينية، ولهذا كان من السهل معرفة السبب الذي جعل المنتقدين يعتقدون بأن «دوراليه» ستذهب إلى الصين بالطريقة نفسها التي خسرت فيها سريلانكا ميناء «هامبانتوتا». إذا حدث هذا فقد يكون كارثياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي كانت ثارت على الصين التي وجهت أشعة الليزر من الدرجة العسكرية إلى طياريها المقاتلين فوق جيبوتي. 
وبينما يهدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بجولة جديدة من العقوبات على الصين، فإن تهديد الصين، عبر جيبوتي، غير مرحب به على الإطلاق، ويمكن أن يعمل على تقويض نفوذ واشنطن في مواجهتها الحادة مع بكين. والأكثر من ذلك أنه يأتي في وقت تقف فيه الحكومة الصومالية على حافة الانهيار، مع استمرار الحرب الأهلية في اليمن؛ حيث ترى فيها إيران فرصة للتعبير عن عدائها للمملكة العربية السعودية ولأميركا أيضاً.
يعد «معسكر ليمونيه» نقطة انطلاق لكل من الصومال واليمن، وتحتاج الولايات المتحدة إلى الوصول الكامل من غير أي عائق إلى «معسكر ليمونيه» الآن، أكثر من أي وقت مضى.
قد يقول البعض إن جيبوتي صغيرة للغاية، لإشعال مواجهة بين الولايات المتحدة والصين؛ لكن نسي هذا البعض أن الصين اليوم بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هي كما كان الاتحاد السوفياتي خلال أزمة الخنازير.
أميركا تتهم الصين بأنها تخدع، وهذه تنفي بحجة بناء «الحزام والطريق»، لهذا تزداد الأسئلة حول التوتر الأميركي الصيني، وعما إذا كانت الحرب هي نهاية اللعبة في بحر جنوب الصين!
وفجأة، وفي ظل هذا الخضم الواسع من التوترات، تبرز جيبوتي جالسة في الحضن الصيني!

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 01:01 2018 السبت ,28 تموز / يوليو

رباب يوسف تؤكد أن الطبيعة تجذب السياحية

GMT 21:04 2017 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

سداسي براعم الشباب ينضمون لمعسكرين إعداديين

GMT 14:05 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

إتيكيت حجز الفنادق ومراعاة كافة شروط السكن فيها

GMT 10:13 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتماد إنشاء أكاديميتين للعربية والإنجليزية في نجران

GMT 04:55 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

طريقة عمل مكياج مكتمل ومثالي بدون "كريم أساس"

GMT 23:49 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

تسريب أول صورة لـ"لكزس ES 2019" الجديدة كليا

GMT 21:54 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

معتز هوساوي يوضح أسباب الخسارة من النصر

GMT 01:18 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

رباح يؤكد أن محاولات تصفية القضية الفلسطينية فاشلة

GMT 01:35 2016 الأربعاء ,20 إبريل / نيسان

الليمون علاج سحري للكثير من مشكلات البشرة

GMT 15:06 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أحجار الياقوت الثمينة تُغلف عطر مايكل كورس الجديد
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq