روسيا حسمت الصراع التركي ـ الإيراني في القوقاز

روسيا حسمت الصراع التركي ـ الإيراني في القوقاز!

روسيا حسمت الصراع التركي ـ الإيراني في القوقاز!

 العراق اليوم -

روسيا حسمت الصراع التركي ـ الإيراني في القوقاز

هدي الحسيني
بقلم : هدي الحسيني

لم تنتهِ بعد قضية أرمينيا وأذربيجان، ففي الأسبوع الماضي غادر أهالي كالباجار - الواقعة بين قره باغ وأرمينيا - مدينتهم لآخر مرة حسب اتفاق وقف إطلاق النار، لكن الكثيرين منهم أحرقوا منازلهم وحملوا معهم رفات أفراد عوائلهم. كان من المقرر تسليم كالباجار في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن أذربيجان أرجأت الموعد النهائي لأسباب إنسانية.
وكانت أرمينيا وافقت على تسليم ثلاث مناطق حول قره باغ – أغدام وكالباجار ولاتشين - كجزء من الصفقة التي أوقفت الهجوم الأذري الذي استعاد مساحات شاسعة كان الانفصاليون الأرمن سيطروا عليها في حرب التسعينات. وفي خطاب متلفز يوم الأربعاء قبل الماضي هنأ الرئيس الأذربيجاني إلهامي علييف شعبه قائلاً، إن كالباجار قد تحررت، وإن الآثار التاريخية في المنطقة، بما في ذلك الكنائس والمساجد تعتبر «كنوزاً تاريخية» من قبل أذربيجان المسلمة، وسيتم الحفاظ عليها.
تم التوصل إلى اتفاق السلام بعدما تفوق الجيش الأذربيجاني على القوات الانفصالية الأرمنية، وهدّد بالتقدم على عاصمة ناغورنو قره باغ، ستيباناكيرت.
في غضون ذلك، قال المدعي العام الأذربيجاني، إن بلاده تحقق في مزاعم ارتكاب جرائم حرب من قبل الجانبين، وكان تم تداول مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء القتال تظهر عمليات إعدام لأسرى الحرب الأرمن على يد القوات الأذربيجانية والجنود الأرمن وهم يشوهون جثث الجنود الأذربيجانيين.
ما زاد في حجم القتال ومدته كان مشاركة العديد من اللاعبين الدوليين، بقيادة تركيا وروسيا وكل منهما ينظر إلى الصراع بشكل مختلف: فرصة ذهبية لزعزعة الوضع الراهن لتحقيق مكاسب استراتيجية، مقابل محاولة تثبيت الاستقرار في المنطقة واستئناف المفاوضات. لكن ما بدا كنزاع ما بين أرمينيا وأذربيجان تحول إلى شبكة معقدة من المصالح.
لقد أتاح الصراع لأذربيجان فرصة غير مسبوقة لتغيير الوضع الراهن في المنطقة، وذلك بالنظر إلى الإهمال الدولي الذي كان منشغلاً بالانتخابات الأميركية، المقترن بتفوقها العسكري الواضح بفضل الدعم التركي جزئياً. إن إحباط باكو المستمر من المأزق الدبلوماسي وتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع تركيا جعلها عدوانية، على الرغم من عدم تجاوز أي خطوط حمر روسية. كان هدف أرمينيا منذ البداية إنهاء القتال في أقرب وقت ممكن واستئناف المفاوضات لتجنب المزيد من الضحايا في ساحة معركة دامية فعلاً. أما تركيا فقد رأت وهي تراقب من الخطوط الجانبية، فرصة لتغيير الوضع الراهن في قره باغ وعلى الخريطة الدولية. أدركت أنقرة أن الصراع يوفر لها فرصة لإلقاء ثقلها الدبلوماسي والعسكري والتكنولوجي وتوسيع دورها في المنطقة. لقد زُعم أن سلوك أنقرة يعكس الثقة بقدرتها على تحدي الهيمنة الروسية في المنطقة غير مثقلة بالمخاوف المتعلقة بالثمن الدولي الذي قد يتعين عليها دفعه في تحديها لروسيا والولايات المتحدة وفرنسا. تبنى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هذا الموقف؛ لأنه يعرف أنه سيخدمه على الصعيد الداخلي، ويعزز مكانته بين أنصاره من المعسكرين القومي والإسلامي المتشدد؛ فهو يشعر أنه كلما زاد من إشراكه لتركيا في نزاعات مسلحة محلية وبعيدة، من سوريا إلى ليبيا، زاد الدعم الذي يكسبه لنظامه.
أما روسيا فإنها تحاول الحفاظ على هيمنتها في المنطقة بينما تسعى لردع اللاعبين الخارجيين. هي من أملت شروط وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 نوفمبر الماضي، ومن أبرز شروطه انتشار قوة مراقبة روسية لمدة 5 سنوات على طول الخط الفاصل بين ناغورنو قره باغ وممر لاتشين، ليربط أرمينيا بناغورنو قره باغ. ستحتفظ أذربيجان بالسيطرة على المناطق إلى احتلتها بما في ذلك شوشا، ثاني أكبر مدينة في ناغورنو قره باغ. وأكد الكرملين، أن الاتفاق لا يشمل نشر مراقبين أتراك في ناغورنو قره باغ للتأكد من أن إردوغان يعرف من يدير العرض.
كانت إيران غائبة بشكل ملحوظ عن الصراع، كان الاهتمام الأكبر لدى إيران هو إخماد النيران؛ حتى لا يمتد القتال إلى أراضيها، كما حدث بالفعل مرات عدة. ربما كان من المتوقع أن تكون إيران شديدة الضجيج خلال الأزمة، لكن لم يسمع لها أي همس. دعمت باكو علناً على الرغم من أنها حاولت إظهار الولاء لكلا الطرفين، وعرضت التوسط، كجزء من جهودها الدبلوماسية في الصراع.
من الواضح أن الجميع بما في ذلك طهران، يدركون أن كل هذا هواء ساخن وأن إيران ليست سوى لاعب ثانوي في المفاوضات التي تقودها روسيا، وعلى الرغم من الفرصة التي كانت إيران تود استغلالها لإظهار مشاركتها في حدث إقليمي مهم إلا أنها رأت بأنها تشكل أيضاً تهديداً لاستقرارها الداخلي. يخشى النظام الإيراني من عدم الاستقرار والنزعة الانفصالية من جانب الأقلية الآذرية التي تبلغ نسبتها 25 في المائة، علاوة على ذلك تتفهم طهران خطر زيادة التدخل التركي على حدود إيران.
من وجهة نظر طهران كان من المهم أن يشير الاتفاق الثلاثي إلى قوات حفظ السلام الروسية فقط، وليس القوات التركية كما اقترحت باكو. تستاء طهران من دور أنقرة المتنامي في جنوب القوقاز؛ ولتأكيد شكوكها أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية وبسرعة عن استعدادها لتسهيل مرور قوات حفظ السلام الروسية إلى ناغورنو قره باغ.
في الواقع أن جميع المقاطعات السبع المحتلة التي أعيدت إلى أذربيجان، بالإضافة إلى جزء من المنطقة نفسها، تزيل التوتر عن طهران محلياً؛ إذ مع اندلاع الصراع في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، كانت هناك مظاهرات في المدن ذات الأغلبية الأذرية طالبت بالدعم الفعال للأقارب العرقيين على الجانب الآخر من الحدود. لو طال الصراع لكان الضغط سيزداد على طهران.
علاوة على ذلك، لن تتسامح طهران مع وجود مرتزقة سوريين على حدودها. لقد استعانت تركيا بمتشددين سوريين لمساعدة أذربيجان في خوض الحرب، ويخشى قادة الشيعة في إيران من أن هؤلاء متطرفون سنّة ولو طالت الحرب كان هؤلاء ترسخوا على الحدود الشمالية لإيران. لإثبات أنها ترفض الابتزاز التركي البعيد المدى، نشرت طهران جيشها بالقرب من الحدود في إشارة إلى استعدادها لضرب السوريين، لكنها كانت تأمل بأن نهاية الحرب ستشهد إبعاد هؤلاء المرتزقة من المنطقة.
من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أحد المجالات التي قد تضر بالمصالح الاقتصادية لإيران، وهو بند في الهدنة يسمح لأذربيجان بإنشاء ممر عبور عبر جنوب أرمينيا. حتى الآن كانت الروابط البرية بين أذربيجان ومقاطعتها ناختشيفان تمر عبر الأراضي الإيرانية. الممر الجديد سيقلل من نفوذ إيران على أذربيجان. أما تركيا التي تحد ناختشيفان فإنها ستكسب وصولاً برياً إلى كل أذربيجان من دون الحاجة إلى المرور عبر إيران أو عبر جورجيا؛ مما قد يؤدي إلى إنشاء طريق مباشر إلى آسيا الوسطى.
لفد استمر الصراع ستة أسابيع حقق فيه الأذربيجانيون نصراً مهماً وإن لم يكن حاسماً، وحققت روسيا نصراً دبلوماسياً يظهر نفوذها الجيوسياسي في القوقاز، في حين تستمر إيران في انعزالها، حيث تملي التهديدات الداخلية سياستها الخارجية، بينما تدرك تركيا بقيادة إردوغان مرة تلو أخرى مدى عدم جدوى الانخراط في المواجهات العسكرية؛ لأن الدب الروسي سحق من يصور نفسه قائد قوة عظمى.
من المشكوك فيه أن قرار البرلمان التركي بإرسال قوات إلى أذربيجان كما طلب إردوغان، سيصمد أمام اختبار الواقع، أو ما إذا كانت روسيا ستسمح بحدوث ذلك. روسيا هي التي تملي القواعد في سوريا وليبيا وفي الفناء الخلفي لتركيا، وتترك إيران غارقة في مشاكلها.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا حسمت الصراع التركي ـ الإيراني في القوقاز روسيا حسمت الصراع التركي ـ الإيراني في القوقاز



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:54 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

تعرف على "أهل الدثور" وأسباب دخول الجنة

GMT 10:07 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

Incredible Things عطر ساحر من نفحات الأخشاب الطبيعية

GMT 18:46 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

صلاح يفك عقدة لازمته منذ 2014 في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 21:25 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"كلام ستات" يناقش مبادرة "بدّلها بفضة" لتسهيل الزواج

GMT 02:06 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفخم الفنادق في مدينة هونغ كونغ الصينية

GMT 04:13 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

"ديكورات" مشرقة في شقّة جون بون جوفي الـ"دوبلكس"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أبوالفتوح تكشف فوائد تناول الردة خلال الوجبات

GMT 03:36 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تناول المكسرات يساعد على استقرار مستويات السكر

GMT 01:21 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

شاكيرا تستعد لإحياء حفلة غنائية في إسرائيل

GMT 22:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سائق حافلة ركاب في إسبانيا يرفض صعود منقبة للحافلة

GMT 00:14 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الجمعة

GMT 05:14 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعاون "فوكس" و" ديزني" يكشف عن تقاعد "مردوخ" أم خطة جديدة

GMT 12:17 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح استئصال ورم من بطن سيدة في جازان وزنه 5 كيلو جرام

GMT 07:35 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

سلام العمري تبدع في صناعة الشموع بطرق مختلفة جذابة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq