الإعلام الجديد

الإعلام الجديد

الإعلام الجديد

 العراق اليوم -

الإعلام الجديد

بقلم :مأمون فندي

هل يستطيع الإعلام الجديد أن يشكل وعياً جديداً وبالتبعية مجتمعاً جديداً ومن ثم شرق أوسط جديداً؟ الإجابة القصيرة هي لا. ولكن السؤال الأهم هو: لماذا لا؟ الإعلام الجديد في منطقتنا هو كما يقول المثل الأميركي «نبيذ قديم في زجاجات جديدة». الأدوات الجديدة من آيفون وإنترنت هي حاملة للمحتوى وللغة ذلك المحتوى، ومن ملاحظاتي خلال الأعوام العشرين الماضية من متابعة ظاهرة ما يسمى الإعلام الجديد (small media) أو الإعلام الصغير، لم ألحظ تغييراً واضحاً في اللغة. إذا كان هناك إعلام جديد فبالضرورة تكون اللغة جديدة. وباللغة الجديدة لا أعني المفردات، فاللغة الجديدة ليست مجرد مفردات جديدة أو مرادفات جديدة، بل هي في المقام الأول تكمن في تشكيل علاقات لغوية جديدة يمكن لها أن تنتج وعياً جديداً. فالوعي الجديد لا تنتجه علاقات لغوية قديمة.

إذا كان ثمة شيء حدث للغة في الإعلام الجديد فهو تدني هذه اللغة، ولا أعني بهذا الانتقال من فصحى المتعلمين إلى عامية أو خليط بين العامية والفصحى، فربما ينتج هذا الهجين شيئاً مختلفاً بتراكم السنين، ولكن ما أقصده هو أن العلاقات اللغوية التي أنتجت مجتمعاً أبوياً وتسلطية سياسية هي ذات العلاقات سواء كان التعبير عن الفكرة بالعامية أو بالفصحى أو بخليط بينهما.

قبل ظهور الإنترنت كانت هناك محاولات جادة لخلق علاقات لغوية جديدة من خلال ما عُرف في ثمانينات القرن الماضي بتيار الحداثة في الأدب متمثلةً في مجموعة «شعر» في بيروت تزعَّمها كتاب مثل أدونيس وسعيد عقل، وفي مصر صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل وآخرين، كانت محاولات جادة في خلق علاقات لغوية جديدة في الشعر خصوصاً ومن بعده في الرواية.

وكان في تلك الفترة العمل الأدبي أهم من كاتبه، أما الآن وفي عصر الميديا الصغيرة فصاحب العمل أهم من النص، فالقصة ليست ترويجاً إعلامياً للنص، بل للشخص وصورته وطريقة ملبسه على «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«سناب شات» إلى آخر هذه الأدوات الجديدة.

في النقلة من الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة أو القصيدة النثرية كانت هناك معايير صارمة لنشر النصوص، أما الآن فالكتابة على «فيسبوك» وغيره لا تخضع لأي معايير. كل ما هنالك أن يعلن صاحب الحساب أو الصفحة أنه شاعر ويضع صورته أو صورتها في أبهى حلة وأعلى درجات المكياج والفوتوشوب للوجه والشَّعر (ما ينبت في الرأس) وليس الشِّعر كجنس أدبي، ثم تنهال عليها أو عليه عبارات الثناء والإعجاب.

موت المعايير في الإعلام الجديد والاحتفال بشخص المؤلف هو عكس حركة الحداثة ودائرة الحداثة التي كان أساسها موت المؤلف، وأن النص هو ما يتصدر المشهد. الحداثة تقول بموت المؤلف بينما الإعلام الجديد كله عن المؤلف.

نرجسية الإعلام الجديد لا تجعل من النص نجماً وإنما النجم هو المؤلف اللاهث وراء عبارات الثناء والإعجاب. ليس مهماً أن تكتب نصاً يليق بالنشر على العامة بقدر ما يهم عدد متابعيك في حسابات الإعلام الجديد. هذه النرجسية لا تصنع وعياً جديداً أو لغة جديدة أو فكراً جديداً هي فقط تخلق زحاماً من النجوم الوهميين الذين لا يجدون تأكيداً لذواتهم إلا في العالم الافتراضي وعالم الصورة لا الكلمة.

إن الاحتفال بالإعلام الجديد في ظل غياب المعايير الحاكمة لما يُنشر على العامة هو واحدة من علامات التراجع والتخلف لا من علامات الجدة والحداثة.

المصدر: جرية الشرق الأوسط
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإعلام الجديد الإعلام الجديد



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:54 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

تعرف على "أهل الدثور" وأسباب دخول الجنة

GMT 10:07 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

Incredible Things عطر ساحر من نفحات الأخشاب الطبيعية

GMT 18:46 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

صلاح يفك عقدة لازمته منذ 2014 في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 21:25 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"كلام ستات" يناقش مبادرة "بدّلها بفضة" لتسهيل الزواج

GMT 02:06 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفخم الفنادق في مدينة هونغ كونغ الصينية

GMT 04:13 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

"ديكورات" مشرقة في شقّة جون بون جوفي الـ"دوبلكس"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أبوالفتوح تكشف فوائد تناول الردة خلال الوجبات

GMT 03:36 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تناول المكسرات يساعد على استقرار مستويات السكر

GMT 01:21 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

شاكيرا تستعد لإحياء حفلة غنائية في إسرائيل

GMT 22:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سائق حافلة ركاب في إسبانيا يرفض صعود منقبة للحافلة

GMT 00:14 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الجمعة

GMT 05:14 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعاون "فوكس" و" ديزني" يكشف عن تقاعد "مردوخ" أم خطة جديدة

GMT 12:17 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح استئصال ورم من بطن سيدة في جازان وزنه 5 كيلو جرام

GMT 07:35 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

سلام العمري تبدع في صناعة الشموع بطرق مختلفة جذابة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq