واللي يهين الولايا

واللي يهين الولايا...

واللي يهين الولايا...

 العراق اليوم -

واللي يهين الولايا

مأمون فندي
بقلم :مأمون فندي

عندما تفشل الثقافة العالية في تقديم منظومة قيمية حاكمة للمجتمع، تزحف الثقافة الشعبية لملء الفراغ، طارحة قيمها البسيطة الكاشفة لعورة المجتمع برمته.

فمثلاً، تتفشى ظاهرة التحرش الجنسي بالمرأة في مصر، دونما علاج أو رؤية واضحة من المجتمع أو الدولة، ولا تجد إجابة واضحة إلا في أغنية حكيم «حلاوة روح»، عندما يقول «اللي يهين الولايا في الدنيا بيتهان»، وكلمة «الولايا» هي جمع «ولية»، وهي تعني المرأة في الثقافة الشعبية المصرية، وفي «الولايا»، إشارة للاستقواء على من لا حول لهن ولا قوة. وفيها أيضاً من معاني قذف المحصنات. وهنا يتصدى الموال الشعبي لما فشلت فيه الدولة، وما فشل فيه المجتمع، باستنهاض قيم الرجولة والشهامة والشرف حلاً بديلًا للتصدي لتفسخ القيم، خصوصاً الاستقواء على المرأة. تجد معاني قريبة من ذلك أيضاً في أغاني المهرجانات لحسن البرنس وفرقة «شبيك لبيك»، التي تتجلى فيها مواجهة الأغنية الشعبية لمجتمع النفاق، وطغيان المظهر بديلاً عن الجوهر، مجتمع الزيف؛ حيث يقول في أغنية «عزبة محسن»: «بلاش فشخرة، ومنظرة، اتهرشت كل الحكاية». و«الفشخرة» في الدارجة المصرية تعني التباهي بالغنى بطريقة سوقية. وترى الأغنية أن مجتمع «الفشخرة»، هو أكذوبة اجتماعية، فعندما يقول «اتهرشت الحكاية» فهو يعني أن الزيف انكشف، وأنه ليس «تحت القبة شيخ»، بل زيف لا يقوى على أول حكة للقشرة البراقة على 

السطح، حتى تظهر رداءة المعدن أسفله. وهو تعليق عميق على ما يخفيه زيف الطلاء البراق من الخارج مقابل فساد الجوهر.

أما أغنية أحمد شيبة «آه لو لعبت يا زهر»، فهي نقد لمجتمع التباهي بالغنى المادي المفرغ من القيم التي تحكم سلوك الأفراد، خصوصاً فيما يتعلق بقيم الرجولة. يقول في الأغنية: «الفلوس متعملش رجال»، أي أن قيم الرجولة والشرف لا تشترى، ولا يصنعها الغنى المادي، وهو أيضاً نقد صارخ لغياب قيم الرجولة، بكل دلالات الكلمة في الثقافة المصرية عبر تاريخها.

الأمثلة كثيرة من الأغاني الشعبية، التي تحظى بأكثر من مليون، وأحياناً عشرات الملايين من المتابعين لهذه الأغنيات، التي يصنفها البعض على أنها فن هابط.

ليس المهم هو أن الفن هابط أو خلافه، ولكن المهم هنا هو تراجع قيم الثقافة العالية، ليحل محلها هذا الفن. فلولا انسحاب الثقافة العالية من المجتمع لما ساد هذا النوع من الفن.

لا ينكر إلا جاحد وجود فن راقٍ في واحات متباعدة من المجتمع المصري مثل الأوبرا ومكتبة الإسكندرية، ولكن أيضاً لا يمكن تغطية عين الشمس بغربال في أن مراكز الإشعاع الثقافي هذه محدودة التأثير، أو أن تأثيرها منعدم خارج أسوار مبانيها، وهذا يطرح السؤال الأكبر، لماذا انهارت القيم الحاكمة لسلوكيات المصريين خلال نصف قرن مضى، أو لماذا فشلت عملية إحلال وتجديد للقيم؟

هناك موقف دفاعي مستمر لدى المصريين مفاده أننا أمة ذات ثقافة وتاريخ مستمرين، وأن نقد الثقافة المصرية هو نوع من المكايدة الاجتماعية. الحقيقة هي أن الثقافة في المجتمع المصري في تردٍ وانحدار شديدين، ومن دون نقد مستمر لن ينصلح الحال.

مشكلة مصر الحديثة في رأيي، هي مشكلة ثقافية في المقام الأول، وسأضرب لذلك أمثلة قليلة للتوضيح، بشكل تلغرافي، لضيق مساحة المقال، وأول الأمثلة هو أن بمصر ليبراليين دونما ليبرالية، وديمقراطيين دونما ديمقراطية، فالنظام السياسي هو انعكاس للقيم السائدة في المجتمع، فلا يجب أن تتوقع نظاماً ديمقراطياً في مجتمع لا يؤمن ولا يمارس القيم الديمقراطية، ولا يجب أن تتوقع نهاية لظاهرة التحرش في مجتمع لا يؤمن بالخصوصية والحرية الفردية، من حيث الملبس والمأكل والمشرب. الحارات الشعبية أكثر غيرة على القيم من الأحياء «الراقية». نعم هناك نظام أبوي في الحارة، ولكنه ملتزم أو متصالح مع القيم الأبوية، أما الأحياء الراقية فهي راقية على السطح، وأبوية في مخبرها، لذا تتفشى ظاهرة إهانة «الولايا» دونما نظام ردع قيمي.

نجاح الأغنية الشعبية ليس نجاحاً في حد ذاته، بقدر ما هو تقرير واضح على فشل الثقافة العالية، وكما قال أحمد شوقي: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا».

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واللي يهين الولايا واللي يهين الولايا



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:54 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

تعرف على "أهل الدثور" وأسباب دخول الجنة

GMT 10:07 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

Incredible Things عطر ساحر من نفحات الأخشاب الطبيعية

GMT 18:46 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

صلاح يفك عقدة لازمته منذ 2014 في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 21:25 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"كلام ستات" يناقش مبادرة "بدّلها بفضة" لتسهيل الزواج

GMT 02:06 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفخم الفنادق في مدينة هونغ كونغ الصينية

GMT 04:13 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

"ديكورات" مشرقة في شقّة جون بون جوفي الـ"دوبلكس"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أبوالفتوح تكشف فوائد تناول الردة خلال الوجبات

GMT 03:36 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تناول المكسرات يساعد على استقرار مستويات السكر

GMT 01:21 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

شاكيرا تستعد لإحياء حفلة غنائية في إسرائيل

GMT 22:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سائق حافلة ركاب في إسبانيا يرفض صعود منقبة للحافلة

GMT 00:14 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الجمعة

GMT 05:14 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعاون "فوكس" و" ديزني" يكشف عن تقاعد "مردوخ" أم خطة جديدة

GMT 12:17 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح استئصال ورم من بطن سيدة في جازان وزنه 5 كيلو جرام

GMT 07:35 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

سلام العمري تبدع في صناعة الشموع بطرق مختلفة جذابة

GMT 01:46 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شيماء مرسي تؤكّد أنّ مواقع التواصل الاجتماعي يحكمها الإتيكيت

GMT 06:17 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

طرح عطر "فانيلا نواغ" الساحر للمرأة التي تعشق الإثارة

GMT 07:35 2016 الأربعاء ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

كيارا فيراغني من مدونة في عالم افتراضي إلى عارضة أزياء شهيرة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq