ترامب والملالي والساحر أوز

ترامب والملالي والساحر أوز

ترامب والملالي والساحر أوز

 العراق اليوم -

ترامب والملالي والساحر أوز

بقلم - أمير طاهري

نُسب الفضل للسيد دونالد ترامب كما تلقى اللوم عن الكثير من الأمور خلال العام الأول من توليه منصبه الرئاسي. وينسب أنصاره الفضل إليه في الارتفاع الذي حققته البورصة الأميركية بنسبة 32 في المائة، وأدنى معدلات البطالة المسجلة منذ أيام عقد الخمسينات الذهبية بالقرن الماضي.

أما بالنسبة إلى نقاده، حسناً، كما نعرف جميعاً، فإنهم يحمّلونه مسؤولية كل شيء لا يعجبهم على سطح الأرض.
وللسيد ترمب، رغم كل شيء، مقياسه الخاص للنجاح: وهو عدد المتابعين له على حساب «تويتر» الخاص به.
وفي حلف عشاء في ناديه الخاص بولاية فلوريدا قبل بضعة أسابيع، أخبر ترمب أحد أصدقائه بأنه يهدف لأن يصل بحساب «تويتر» خاصته إلى 100 مليون متابع بحلول نهاية فترة ولايته للبلاد.

وردد تغريدته الشهيرة والمثيرة للجدل «إن الزر على مكتبي، أكبر وأقوى من الزر على مكتب رئيس كوريا الشمالية»، وتفاخر كذلك بأنه ليس هناك زعيم سياسي قد اقترب من المكانة التي حققها لنفسه، وذلك فيما يتعلق بعدد المتابعين لحسابه الخاص على «تويتر».
فهل يعبأ الزعماء السياسيون بعدد المتابعين لهم على حسابات «تويتر»؟

ليست لدينا وسيلة أكيدة لمعرفة ذلك. لكن من المؤكد أن هناك عدداً لا بأس به من السياسيين يشاركون ترمب اهتماماته.
ويزعم وزير خارجية إحدى الدول الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة، أنه يحظى بعدد من المتابعين على «تويتر» يبلغ 2.5 مليون متابع. ويزعم منافسه الغيور أن وزير الخارجية قد تمكن من الوصول لذلك من خلال شركات التسويق عبر «تويتر» التي تعمل من مقدونيا، لقاء سعر متوسط يبلغ دولار أميركي واحد لكل 1000 متابع.
ومن أحد الزعماء الذين لم نكن نتوقع اهتمامه البالغ بحسابه على «تويتر» كان المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي. فهو يعتبر وسط حاشيته المقربة الحاكم الأول على مصير الجمهورية الإسلامية في إيران، وكذلك «زعيم كافة المسلمين في العالم»، سواء أعجبهم ذلك أم لم يعجبهم.

وعلي خامنئي من الشخصيات متعددة الجوانب الثقافية ممن علّم نفسه بنفسه، وهو يوهم نفسه دائماً بأنه من أبرز الشعراء والأدباء والمؤلفين، كما يدعي مراراً أنه بروفسور اللاهوت التطبيقي في مدرسة خاصة تضم تلامذة ممن يعيشون على هباته ورواتبه السخية.
وبالنسبة لحاشيته المقربة، وهم جمع من المتملقين والمتزلفين الذين يواصلون كيل المديح والثناء لشخصه ويبلغونه على الدوام بمدى عطش البشرية لأفكاره وكلماته، يكتب المرشد الأعلى خطابات بصفة دورية موجهة إلى «شباب العالم». وتُترجم رسائله المكتوبة إلى لغات لا عدد لها، وتوزع أيضاً عن طريق السفارات الإيرانية وفروع تنظيم «حزب الله» في مختلف أنحاء العالم.

ووفقاً لما ذكرته صحيفة «كيهان» اليومية، فإن وجود خامنئي في أي محافظة هو سبب كافٍ لعودة فصل الربيع إلى ذلك الإقليم في أي فصل من فصول العام، مع تغريد مبكر للطيور، وازدهار الورود، وانتعاش الهواء بعطر فواح لا يمكن تفسير مصدره!

وتحت صفة الكاتب، أنتج المرشد الأعلى الأطروحات حول الكثير من القضايا بما في ذلك النظام الغذائي الإسلامي، وأسرار الزواج الناجح، وقرض الشعر، والحرب البحرية، وأخيراً وليس آخراً، تدمير إسرائيل والولايات المتحدة.

ولا يجرؤ أحد على التشكيك في تفوق الرجل وبراعته.
لكن إن تمكن أحدهم من تجاهل «تويتر» تماماً، حتى وإن كنت كمثل ذلك الذي يشتري المتابعين لحساب «تويتر» الشخصي في مقدونيا، فسوف تطولك آثاره مثل العاشق الذي يتشاجر لأجل حبيبته.
ويبدو أن هذا ما حدث للمرشد الإيراني الأعلى خلال الشهر الماضي عندما انخفض عدد المتابعين على حساب «تويتر» خاصته من 2.2 مليون متابع في الأول من يناير (كانون الثاني) إلى 960 ألف متابع فقط في 25 من الشهر نفسه.
فما الذي حدث؟ حسناً، لقد حدث أمران.
أولاً، كانت الانتفاضة التي احتشد لها الآلاف من الناس في أكثر من 100 مدينة عبر أرجاء إيران. ولم تكن تلك الانتفاضة من أعمال المعارضة التقليدية للنظام الحاكم في طهران، لكنها جاءت تعبيراً عن السخط والغضب الذي عـمّ المواطنين العاديين من مناحي الحياة كافة في البلاد.
كذلك، وللمرة الأولى، نال اسم المرشد الأعلى الكثير من الازدراء في حين حاولت الجهات البارزة المستفيدة من الأمر إلقاء التبعة واللوم على شخص المرشد الأعلى في كل ما حل بالمجتمع الإيراني من ويلات. لقد ارتكب علي خامنئي خطأً قاتلاً عندما قرر «الاحتجاب» سياسياً لما يزيد على أسبوع تقريباً في حين كان كبار المسؤولين، ومن أبرزهم الرئيس حسن روحاني، ورئيس القضاة صادق آملي لاريجاني، وحتى آيات الله الذين يتلقون رواتبهم من المرشد الأعلى مثل مكارم شيرازي، يحاولون التودد إلى المتظاهرين على حساب شخص المرشد الأعلى.
ثانياً، انفجرت قنبلة سيبرانية في وجه علي خامنئي مع نشر شريط فيديو على شبكة الإنترنت يعود إلى عام 1989 ويصور أعمال مجلس الخبراء الإيراني، وهو عبارة عن مجموعة من الملالي المكلفين مهمة اختيار خليفة آية الله روح الله الخميني الذي كانت قد وافته المنية.
في ذلك الشريط، الذي بلغت مشاهدته حتى الآن أكثر من 10 ملايين زائر لمختلف المواقع، فإننا نرى الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني السياسي البراغماتي الداهية، وهو يحاول إقناع علي خامنئي الملتاع للغاية بقبول منصب «المرشد الأعلى» للبلاد.
وكانت الصفقة المعروضة كالتالي: يتولى رفسنجاني منصب الرئاسة مكان خامنئي، ويتولى خامنئي منصب المرشد الأعلى مكان الخميني.
ونرى علي خامنئي بوضوح في الفيديو وهو يصرخ في وجوه الحاضرين بأنه غير مؤهل على الإطلاق لتولي مثل هذا المنصب النبيل. فهو الملا الصغير الذي لم يستكمل حتى المراحل الأولى من التدريب كطالب علم مجتهد، أي الملا المأذون له إصدار الفتاوى الدينية أو الآراء الفقهية بشأن المسائل المذهبية. والأمر تماماً كمثل ترقية عريف في الجيش إلى منصب المارشال أو القائد العام للقوات.
وقال علي خامنئي في ذلك الشريط: «لا بد أن يبكي المرء بدموع الدم على الأمة الإسلامية إذا استحق شخص مثلي أن يكون زعيماً لها».
غير أن رفسنجاني، المراوغ الداهية، يهدئ الموقف ويقول لخامنئي إن ترقيته لذلك المنصب سوف تكون مؤقتة، حتى يمكن العثور على الخليفة الدائم لمنصب المرشد الأعلى.
والباقي، كما يقول المثل، هو التاريخ المعروف للجميع.
فلقد تحول المرشد المؤقت إلى المرشد الدائم، ويكتشف رفسنجاني، الذي نال منصب الرئيس، في وقت من الأوقات ما صنعه الدكتور فرانكشتاين في وقت متأخر للغاية.
ولقد أسفر نشر ذلك الفيديو عن عاصفة سياسية عاتية؛ إذ إنه يكشف الحقيقة القبيحة بأن النظام الخميني كان دائماً يرتكز ويقوم على جملة من الأكاذيب والخدع.
كما أن الانتخابات المزعومة تعتبر خرقاً واضحاً للمادة 109 من الدستور الإسلامي الإيراني التي تنص على وجوب اختيار المرشد الأعلى من بين «المراجع العلمية»، أي تلك الحفنة القليلة من كبار آيات الله وليس أي شخص يرتدي العمامة فحسب.
والمفارقة في ذلك أن علي خامنئي هو أفضل تعليماً وثقافة من الخميني نفسه، فإن معرفته باللغتين الفارسية والعربية هي أرسخ مما كانت عليه معرفة الخميني بكثير.
كذلك، فإن «عبادة الشخصية» التي نسجت حول شخص خامنئي، ورغم بغضها وكراهيتها إلى نفسي، فهي أبعد ما تكون عن حفنة المتملقين الوثنيين التي تنبح وراء الخميني أينما حل.
وحتى عندما يتعلق الأمر بتلك السجلات المقيتة مثل عدد أحكام الإعدام والسجناء السياسيين في البلاد، فإن خامنئي لا يزال أبعد ما يكون عن سجل الخميني الإجرامي.
ولا أعرف إن كان علي خامنئي لا يزال يعتقد بأنه غير مؤهل بما يكفي لتولي منصب المرشد الأعلى.
وعلى أي حال، فإن الأمر غير ذي أهمية الآن. والمهم هو أن حالة اللغو والضجيج الهائل إلى جانب الأساطير السخيفة التي نسجت حول شخصيته قد أسفرت عن خدعة زائفة بكل المقاييس.
وشخصية علي خامنئي تذكّر المرء بالساحر أوز، الذي كان يعلم تماماً أن لا علاقة له بالسحر من قريب أو بعيد، ورغم ذلك لم يكن يستطيع الفرار من تأدية الدور، نظراً لأن الآخرين يحتاجون إليه ليقوم به. ولم يكن للساحر أوز حساب شخصي على «تويتر». لكن إن أتيح له ذلك الحساب بطريقة أو بأخرى، كان سوف يشعر بأحاسيس الألم والرفض والاستنكار نفسها التي تعتري علي خامنئي في هذه الأيام.

المصدر : جريدة الرأي

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب والملالي والساحر أوز ترامب والملالي والساحر أوز



GMT 23:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

الأشباح التي تطارد الرئيس

GMT 21:27 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

فريق جديد في البيت الأبيض: ما وراء الرمزيات

GMT 23:42 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

فريق جديد في البيت الأبيض: ما وراء الرمزيات

GMT 18:36 2021 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

التمثيلية الرئاسية بطهران: لعبة الإقصاءات

GMT 14:24 2020 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تركيا... عودة الشياطين

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 01:01 2018 السبت ,28 تموز / يوليو

رباب يوسف تؤكد أن الطبيعة تجذب السياحية

GMT 21:04 2017 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

سداسي براعم الشباب ينضمون لمعسكرين إعداديين

GMT 14:05 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

إتيكيت حجز الفنادق ومراعاة كافة شروط السكن فيها

GMT 10:13 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتماد إنشاء أكاديميتين للعربية والإنجليزية في نجران

GMT 04:55 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

طريقة عمل مكياج مكتمل ومثالي بدون "كريم أساس"

GMT 23:49 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

تسريب أول صورة لـ"لكزس ES 2019" الجديدة كليا

GMT 21:54 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

معتز هوساوي يوضح أسباب الخسارة من النصر

GMT 01:18 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

رباح يؤكد أن محاولات تصفية القضية الفلسطينية فاشلة

GMT 01:35 2016 الأربعاء ,20 إبريل / نيسان

الليمون علاج سحري للكثير من مشكلات البشرة

GMT 15:06 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أحجار الياقوت الثمينة تُغلف عطر مايكل كورس الجديد
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq