الانتخابات الأميركية التكهن بما يتعذر التكهن به

الانتخابات الأميركية: التكهن بما يتعذر التكهن به

الانتخابات الأميركية: التكهن بما يتعذر التكهن به

 العراق اليوم -

الانتخابات الأميركية التكهن بما يتعذر التكهن به

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

قد تدفع الصورة التي ترسمها المحادثات الدائرة في أوروبا للانتخابات الرئاسية المرتقبة، المرء إلى تكوين تصورين خاطئين عن تنافس انتخابي من الممكن أن تترك نتائجه تأثيرات على كثير من جوانب السياسات الدولية.

يدور التصور الأول والأكثر شيوعاً بخصوص الانتخابات الرئاسية الأميركية، حول أن الرئيس الحالي دونالد جيه. ترمب، الخاسر حتماً في الانتخابات. ويدعم هذا التصور عدد كبير من استطلاعات الرأي التي تكشف تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن بنسبة تبلغ حالياً حوالي 8.2 في المائة.
ومع ذلك، فإنه رغم التحسينات الكبيرة التي أدخلت على استطلاعات الرأي خلال السنوات الأخيرة، فإن نتائجها نادراً ما تصدق في خضم نظام انتخابي معقد.
جدير بالذكر في هذا الصدد أنه عام 1976، كان الرئيس جيمي كارتر متقدماً بنسبة 26.6 في المائة عبر متوسط نتائج استطلاعات الرأي خلال الفترة ذاتها قبل يوم التصويت. وخلال هذه الفترة كذلك عام 2016، كانت هيلاري كلينتون متقدمة في نتائج استطلاعات الرأي بنسبة 6.6 في المائة. وفي عام 2008، رجحت نتائج استطلاعات الرأي فوز باراك أوباما بهامش شديد الضآلة يبلغ 0.5 في المائة.
حتى تعيس الحظ مايكل دوكاكيس أعلنته استطلاعات الرأي فائزاً عام 1988 بفارق 5.6 في المائة.
بطبيعة الحال، من الأفضل لأي مرشح أن يكون متقدماً في استطلاعات الرأي. ومع ذلك، ثمة عامل آخر يزيد صعوبة توقع نتائج الانتخابات الأميركية عن أي من الأنظمة الديمقراطية الكبرى في العالم، ويتمثل في المعدل المنخفض على نحو مزمن لإقبال الناخبين على مراكز الاقتراع داخل الولايات المتحدة منذ سبعينات القرن الماضي. ويعني ذلك أن هناك نسبة ضخمة من الناخبين يستجيبون لاستطلاعات الرأي؛ لكنهم لا يذهبون إلى مراكز الاقتراع يوم الانتخاب.
في الوقت ذاته، فإن نسبة كبيرة من الناخبين، على جانبي المشهد السياسي، لطالما شعروا بالخجل إزاء الكشف عن نياتهم الانتخابية أمام القائمين على استطلاعات الرأي. وعليه، فإن لدينا «جمهوريين خجولين» و«راديكاليين خجولين إلى اليسار» خلال على الأقل نصف الانتخابات الرئاسية الـ10 الماضية. وتشير بعض الأدلة الشفهية إلى أننا هذه المرة ربما نعاين مزيداً ومزيداً من أمثال هؤلاء الناخبين «الخجولين» في كلا المعسكرين. ويزيد هذا الأمر بدوره أهمية قدرة كل معسكر على تعبئة القاعدة الجوهرية لتأييده إلى أعلى مستوى ممكن.
وتكشف الانتخابات الـ10 الماضية أن للحزبين الرئيسيين بالبلاد، «الديمقراطي» و«الجمهوري»، ما يمكن وصفه بـ«قاعدة تصويت متأرجحة» تتراوح ما بين 20 في المائة و25 في المائة، ما يعني أنه ليس من بين الحزبين من باستطاعته الفوز من دون اجتذاب على الأقل البعض من الناخبين المتأرجحين الذين قد يقررون المشاركة في التصويت.
وتزداد أهمية هؤلاء الناخبين المتأرجحين داخل ثمانٍ من بين الولايات المتأرجحة الـ10 التي تقرر النتيجة النهائية داخل المجمع الانتخابي.
وكشف متوسط نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت بداية الأسبوع، أن ترمب وبايدن متقاربان داخل ثمانٍ من تلك الولايات. ومن أجل ذلك، فإنه من الحيوي على كلا المرشحين تعبئة الأنصار الأساسيين لهما، والذين قد يوفرون الفوز حتى من دون الفوز بأصوات غالبية مجمل الأصوات.
جدير بالذكر أنه في أول انتخابات يخوضها كرئيس، استفاد بيل كلينتون من حالة تعبئة عامة في صفوف أنصار الحزب الديمقراطي، ووقوع انقسامات داخل المعسكر الجمهوري، ومع ذلك فإنه فاز نهاية الأمر بما يزيد قليلاً على ثلث عدد الأصوات.
وبالمثل، استفاد جورج دبليو. بوش عام 2000 من تعبئة قاعدة أنصار الحزب الجمهوري، الأمر الذي مكنه من الفوز بالرئاسة رغم خسارته الأصوات الشعبية.
في هذا الإطار، يبدو ترمب في موقف أقوى من بايدن، ففي الوقت الذي يثير جنون كثير من الأميركيين بأسلوبه الغريب في العمل السياسي، فإنه يخلق في الوقت ذاته طاقة كبيرة في صفوف القاعدة المحورية لأنصاره.
في الواقع، من غير المحتمل أن يصوّت جميع الـ85 مليوناً الذين يشكلون قرابة 20 في المائة من إجمالي البالغين داخل الولايات المتحدة الذين يتابعون ترمب عبر «تويتر»، لصالحه. إلا أن حقيقة أن حساب ترمب عبر «تويتر» لا يزال يزداد أسبوعياً بمعدل 55 ألفاً تكشف أنه لا يزال يجتذب التأييد.
وجاءت إشارة أهم على ذلك أثناء الانتخابات التمهيدية التي جرت في وقت قريب للمرشحين عن الحزب الجمهوري لعضوية مجلس الشيوخ والنواب. في كل الحالات، ما عدا واحدة، فاز المرشحون المدعومون من ترمب بترشيح الحزب لهم. أما الاستثناء الوحيد فكان ليندا بينيت من نورث كارولاينا.
ويبدو أن محاولات تقسيم الحزب الجمهوري عبر مجموعات رافضة لترمب لم تؤتِ نتائج تذكر على القاعدة الجوهرية لأنصاره، بينما جعلت بعض أنصار بايدن يشعرون بعدم الارتياح.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن بعض المجموعات الديمقراطية الراديكالية نددت بشدة بقرار بايدن توجيه الدعوة إلى بعض الشخصيات الجمهورية البارزة التي انقلبت على الحزب، مثل الحاكم السابق جون كيسيك، ووزير الخارجية السابق كولن باول، لإلقاء كلمة خلال مؤتمر انتخابي للحزب الديمقراطي.
على الجانب الديمقراطي، تبدو الصورة مختلفة، فقد فازت القاعدة الجوهرية من أنصار الحزب، المؤلفة من التقدميين الراديكاليين أو «متمردي» بيرني ساندرز، بـ17 فقط من أصل 217 ترشيحاً لمقاعد الكونغرس، الأمر الذي يكشف مدى قوة الأعضاء الشاغلين الذين يجري الكثيرون منهم من جانب «الراديكاليين» باعتبارهم جمهوريين متخفين.
وحتى في الانتخابات التمهيدية المفتوحة، فقد فاز من يوصفون بـ«المتمردين» بخمسة فقط من إجمالي 30 ترشيحاً.
وبذلك يتضح أن جزءاً كبيراً من فرصة بايدن في الفوز تعتمد على نجاحه في تعبئة أنصار ساندرز الذين ينظرون إليه، بجانب أنصار كل من باراك أوباما وبيل وهيلاري كلينتون، باعتباره أحد أفراد الحرس القديم الذين حولوا الحزب الديمقراطي إلى نسخة باهتة من الحزب الجمهوري.
من ناحية أخرى، يبدو بعض الأميركيين على استعداد لنسف النظام بأكمله، إذا كان ذلك سيدفع بترمب خارج البيت الأبيض. ويزيد هذا الجانب العاطفي من الحملة الانتخابية صعوبة توقع النتيجة النهائية للانتخابات.
أما التصور الثاني الخاطئ للحملة الانتخابية الحالية في الولايات المتحدة، فيدور حول النظر إليها باعتبارها مبارزة ضخمة بين اليسار واليمين بالمعنى الأوروبي للمصطلحين. إلا أن هذا التصور تدحضه بعض الخطابات الصادرة عن المعسكرين، مع وصف بعض أنصار ترمب، المرشح الديمقراطي بايدن بأنه «اشتراكي»، ووصف أنصار بايدن الرئيس الحالي ترمب بأنه «موسوليني الأميركي».
ولا يبدو أي من الوصفين دقيقاً.
الحقيقة أن بايدن أحد العناصر الرئيسية في نظام تدور آيديولوجيته الجوهرية حول إطالة أمد الذات، فقد كان بايدن على يسار جيمي كارتر عندما بدا ذلك مواتياً له، وعلى اليمين من أوباما عندما تبدلت الظروف.
ويلمح البعض إلى أنه نظراً لضيق قاعدة أنصاره، فإن بايدن قد ينتهي به الأمر أسيراً في أيدي «المتمردين»؛ لكن حتى لو حدث ذلك فإن الآلة الضخمة المتمثلة في الدولة الأميركية مصممة من أجل الحيلولة دون حدوث تغيير كبير في مسار القضايا الكبرى.
وقد صدم أنصار غولدووتر الذين ظنوا أن رونالد ريغان سيحقق حلمهم في إحداث تغييرات راديكالية، بهذه الحقيقة. على الجانب الآخر، فقد بدأ أوباما رئاسته باعتباره «معبوداً» لـ«المتمردين»، ثم انتهى به الحال إلى أن أصبح خائناً في نظرهم.
وبالمثل، من غير الصائب وصف ترمب بالفاشستي المتخفي.
وبخلاف ميله إلى إطلاق التغريدات باستمرار، فإنه لا يوجد في سجل ترمب ما يبرر وصفه بأيقونة لليمين الآيديولوجي. وقد أدرك هذا الأمر بالفعل كثير من المفكرين الآيديولوجيين المنتمين لتيار اليمين، وبينهم ستيف بانون الذي سبق أن وصف ترمب بأنه «لينين اليمين».
في الواقع، يدور الاهتمام الأساسي لترمب في الترويج للنمط الخاص به من السياسات مثلما سبق وفعل في مجال العقارات، فهو بطبيعته شخص براغماتي يميل لإبرام الصفقات، ويتطلع دوماً نحو السبيل الأسهل للوصول لهدفه. ويعمل ترمب على السعي وراء أهدافه السياسية من دون أن يشغل باله بآيديولوجيا بعينها. والملاحظ أنه انتهج بالفعل مجموعة متنوعة من الأساليب حسبما اقتضت الفرص المتاحة أمامه، والانتكاسات التي مني بها.
إلا أن كل ما سبق لا يعني أن المشهد السياسي الأميركي يخلو من النزعات الآيديولوجية الفرعية؛ لكن تبقى هذه قصة أخرى.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات الأميركية التكهن بما يتعذر التكهن به الانتخابات الأميركية التكهن بما يتعذر التكهن به



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 22:51 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أمير الكويت يؤكد علي أهمية الاقتصاد وتنويع الدخل

GMT 06:43 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تعلن التحول للطاقة البديلة بحلول عام 2050

GMT 00:58 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أحدث تصميمات ديكورات حدائق المنزل العصرية

GMT 11:09 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

بريطانية منعت الماء منذ 20 عامًا عن شعرها الطويل

GMT 09:20 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

بطلة فنون قتالية تُلقّن لصًا درسًا لن ينساه في البرازيل

GMT 14:15 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

البولندي كوبيستا يعود لسباقات فورمولا-1 في 2019 من بوابة ويليامز

GMT 15:36 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

السويسري شاكيري يكشف سبب رحيله عن بايرن ميونخ

GMT 13:21 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

شاكر يؤكّد تنفيذ مصر أوّل محطة نووية في الضبعة

GMT 08:13 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إندونيسيا تعلن تحطم طائرة ركاب في بحر جاوة

GMT 02:55 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على 6 محطات مهمة فى حياة الأميرة شيوه كار

GMT 12:03 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فرحة الأبطال

GMT 07:47 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

اخطفي الأضواء هذا الموسم بظلال العيون البراقة

GMT 06:47 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

استوحي طريقة وضع مكياجك من النجمات اللبنانيات

GMT 06:23 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

نوال الزغبي تتألق بفستان فضي في أحدث حفلاتها

GMT 05:05 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

5 خضروات تتغلب على حرارة الصيف وعسر الهضم
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq