نادِي «ومع ذلك»

نادِي «ومع ذلك»

نادِي «ومع ذلك»

 العراق اليوم -

نادِي «ومع ذلك»

أمير طاهري
بقلم : أمير طاهري

على مدار الأعوام القليلة الماضية، تطورت مسألة استضافة وزير خارجية الجمهورية الإسلامية جواد ظريف إلى تقليد سنوي لمجلس العلاقات الخارجية الذي يتخذ من نيويورك مقراً له. ومع هذا، أثارت الدعوة التي وجهها المجلس لظريف هذا العام عاصفة من الاعتراضات تجاوزت حدود الفقاعة التي اعتاد مدمنو السياسة الأميركية ممارسة الألعاب داخلها، والانغماس في الأوهام وتناول المهمة الأساسية لهم، ألا وهي جمع الأموال.

أما السبب وراء هذه العاصفة فكان القتل المفترض لنافيد أفكاري، بطل المصارعة الشهير وأحد الذين شاركوا في انتخابات داعمة للديمقراطية. وأثار هذا القتل موجات من الصدمة بمختلف أرجاء إيران، بما في ذلك بعض العناصر داخل المؤسسة الخمينية.
وتلقى مجلس العلاقات الخارجية الكثير من رسائل البريد الإلكتروني والاتصالات الهاتفية التي تطالب بسحب الدعوة الموجهة لظريف، سعياً لإظهار التعاطف مع الإيرانيين.
إلا أن مجلس العلاقات الخارجية رفض فعل ذلك. ونشر مدير المجلس، ريتشارد هاس، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية، هذه التغريدة «مثل كثيرين آخرين، أدين إعدام نافيد أفكاري. كما أنني مؤمن بأن حقوق الإنسان تشكل بعداً مهماً في السياسات الخارجية الأميركية. ومع ذلك، أعتقد أن مجلس العلاقات الخارجية محق في لقائه بوزير خارجية إيران».
وتحوي هذه التغريدة مؤشرين مثيرين للاهتمام بخصوص كيف حاول هاس تحاشي هذه، وذلك من خلال طرح قتل أفكاري باعتباره عملية «إعدام» قضائية؛ الأمر الذي يمكّن ظريف من قول «حسناً، لديكم إعدامات ببعض الولايات داخل الولايات المتحدة كذلك». ومع ذلك، نجد أن السلطات الإيرانية ذاتها تتحدث عن القصاص، في الوقت الذي يصر محامو أفكاري على أنه لم يجرِ إخطاره ولا إخطارهم بأنه سيكون هناك إعدام. وبعد ذلك، حاول هاس التخفيف من صورة ظريف من خلال تقديمه باعتباره وزير خارجية «إيران»، وليس الجمهورية الإسلامية.
إلا أن الجزء الأكثر إثارة في تغريدة هاس يكمن في ذلك القادم بعد «ومع ذلك»؛ لأنه يضع النهاية المأساوية لأفكاري والاحترام المزعوم من جانب مجلس العلاقات الخارجية لحقوق الإنسان على المستوى ذاته من الأهمية؛ لتوفير منصة أمام مسؤول دعائي من النظام الخميني.
والمبرر المطروح هنا «ومع ذلك، يجب أن ننصت للجانب الآخر».
المؤكد أن مجلس العلاقات الخارجية لم يخترع نادي «ومع ذلك» الذي يتسم أعضاؤه بالعجز الأخلاقي عن إدراك أنه من الخطأ افتراض وجود تكافؤ بين موقف صائب أخلاقياً ونقيضه السوفسطائي.
في الواقع، تذكرنا «ومع ذلك» التي أطلقها هاس بالكثير من مواقف «ومع ذلك» أخرى في صفحات الأدب والتاريخ.
على سبيل المثال، نجد أخيل يقول لبريام في نهاية حرب طروادة «ومع ذلك أيها العجوز! أنت أيضاً كنت سعيداً ذات يوم».

في نوفمبر (تشرين الثاني) 1938، بعد أيام قليلة مما عرف باسم «ليلة الكريستال» (مجموعة من العمليات نفذها نازيون في ألمانيا ضد مصالح وبيوت لليهود عام 1938)، أبلغ السفير الفرنسي في برلين، روبرت كولوندر، باريس بما حدث، واصفاً الأعمال الوحشية التي وقعت بقلب أوروبا، واختتم حديثه قائلاً «ومع ذلك، يمكن للمرء تفهم الغبن الذي يشعر به الألمان تجاه اليهود».
كما أقر مثقفون غربيون ضمنياً زاروا الاتحاد السوفياتي في ظل حكم ستالين بأن الآلاف قُتلوا على يد النظام، وتضور الملايين جوعاً حتى الموت، لكن ومع استخدام تعويذة «ومع ذلك»، خلصوا كذلك إلى أن هذا كان من أجل الخير العام.
وفي سياق مشابه، استخدم البرلماني البريطاني زوني زيلياكوس «ومع ذلك» للمرة الأولى لتبرير تمجيده لستالين، وبعد ذلك في أعقاب تنديد نيكيتا خروشوف بتقديس شخصية الطاغية، استغل العبارة ذاتها في انتقاده.
ورغم أن إدغار سنو لم يكن قصير النظر بما يكفي لأن لا يلحظ وحشية العصابات التي أطلقها معشوقه ماو تسي تونغ، لكنَّه من جديد وبالاعتماد على عبارة «ومع ذلك»، برر لنفسه الاضطلاع بدور مسؤول دعاية الشيوعية الصينية داخل الولايات المتحدة.
ويستغل بعض أعضاء نادي «ومع ذلك» السعي وراء الحصول على «مزيد من المعلومات» مبرراً لضرورة الدخول في «حوار نقدي» مع النظام الخميني والعناصر الغريبة الأخرى على الساحة الدولية. ويذكرنا ذلك بسخرية برنهارت بأولئك الذين يسعون خلف «الحقائق غير المرغوبة والمعلومات التي لا جدوى منها».
أيضاً، يتحدث هاس عن أن الإنصات لظريف سيعيننا على فهم هيكل القوة داخل النظام الخميني على نحو أفضل. ويذكرنا ذلك بواحدة من عبارات السخرية التي أطلقها ميشيل دي مونتين «إنهم على معرفة وثيقة بغالين، لكنهم لا يعرفون شيئاً عن المرض الذي يعانيه هذا الرجل السقيم».
ويتحدث أعضاء نادي «ومع ذلك» عن الحاجة إلى خطوات دقيقة لتيسير عمل آليات الدبلوماسية، التي يبدو أنها تواجه صعوبة دوماً في العمل بسلاسة. إلا أن مثل هذه الخطوات الدقيقة ربما تبدو منطقية فقط حال إقرار توجه عام. في هذه الحال، فإن المرء في حاجة إلى معاينة رؤية شاملة إزاء النظام الخميني توجه السياسة طويلة الأمد تجاهه. ونظراً لأن نادي «ومع ذلك» عاجز عن صياغة مثل هذه السياسة، فإن حديثه عن الخطوات الدقيقة لا يمثل سوى مجرد مبرر لعمله كأداة لترديد أصداء خطاب ملالي طهران.
من جهته، وخلال الكلمة التي ألقاها أمام اجتماع مجلس العلاقات الخارجية، كرر ظريف الادعاءات ذاتها، إن لم تكن الأكاذيب، التي ظل يلقيها على أسماع الجمهور المتأنق لسنوات. وعلى ما يبدو، التهمها جمهوره بالشهية المعتادة ذاتها.
وسعياً لخداع جمهوره، لم يستخدم ظريف مصطلح «الجمهورية الإسلامية» قط، وتظاهر وكأن «المرشد الأعلى» علي خامنئي لا وجود له. أيضاً، لم يتحدث عن الإسلام واستراتيجية طهران لـ«تصدير الثورة الإسلامية» للعالم بأسره، بما في ذلك نيويورك، حيث يوجد مجلس العلاقات الخارجية.
وحسب التصور الذي رسمه ظريف، فإن النظام الخميني كيان مسالم وودود يتمتع في إطاره القضاء بالاستقلالية، ويجري احترام جميع الحريات، ويتمثل الهدف الاستراتيجي في إقرار السلام والتناغم عبر مختلف جنبات العالم. ولا يوجد سجناء سياسيون في إيران. أما دعم طهران لجماعتي «حزب الله» و«حماس» فمجرد دعم ثقافي، بينما الوجود الإيراني في سوريا مجرد وجود استشاري بناءً على دعوة من الحكومة السورية.
وبالتأكيد، تبعاً لما طرحه ظريف، فإنه لا يوجد رهائن أميركيون أو أجانب آخرون في إيران. وإذا كانت هناك اضطرابات في الشرق الأوسط، فإن هذا خطأ الولايات المتحدة، أو بالأحرى خطأ ليس الأميركيين الطيبين أمثال جون كيري وباراك أوباما، وإنما أمثال دونالد ترمب ومايك بومبيو.
وبذلك يتضح لنا أن أداة ترديد أصداء آراء النظام الإيراني التي يوفرها مجلس العلاقات الخارجية ليس بها معيار أخلاقي يحكمها؛ ما يجعل منها على أفضل تقدير حدثاً تافهاً، وعلى أسوأ تقدير خيانة فكرية.
(اعتراف: سبق وأن وجّه إلى مجلس العلاقات الخارجية الدعوة مرتين لإلقاء كلمة أمامه. في المرتين، كان المطلوب مني الحديث عن العراق، لكن لم يطلب مني الحديث عن إيران قط!)

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نادِي «ومع ذلك» نادِي «ومع ذلك»



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 22:51 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أمير الكويت يؤكد علي أهمية الاقتصاد وتنويع الدخل

GMT 06:43 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تعلن التحول للطاقة البديلة بحلول عام 2050

GMT 00:58 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أحدث تصميمات ديكورات حدائق المنزل العصرية

GMT 11:09 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

بريطانية منعت الماء منذ 20 عامًا عن شعرها الطويل

GMT 09:20 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

بطلة فنون قتالية تُلقّن لصًا درسًا لن ينساه في البرازيل

GMT 14:15 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

البولندي كوبيستا يعود لسباقات فورمولا-1 في 2019 من بوابة ويليامز

GMT 15:36 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

السويسري شاكيري يكشف سبب رحيله عن بايرن ميونخ

GMT 13:21 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

شاكر يؤكّد تنفيذ مصر أوّل محطة نووية في الضبعة

GMT 08:13 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إندونيسيا تعلن تحطم طائرة ركاب في بحر جاوة

GMT 02:55 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على 6 محطات مهمة فى حياة الأميرة شيوه كار

GMT 12:03 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فرحة الأبطال

GMT 07:47 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

اخطفي الأضواء هذا الموسم بظلال العيون البراقة

GMT 06:47 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

استوحي طريقة وضع مكياجك من النجمات اللبنانيات

GMT 06:23 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

نوال الزغبي تتألق بفستان فضي في أحدث حفلاتها
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq