صفقة القرن غير الموجودة
أخر الأخبار

"صفقة القرن" غير الموجودة!

"صفقة القرن" غير الموجودة!

 العراق اليوم -

صفقة القرن غير الموجودة

بقلم : خير الله خير الله

هناك من يريد الكلام بطريقة كلاسيكية عن فلسطين في ظل معطيات إقليمية جديدة لا علاقة لها بالماضي. لعل الدليل الأبرز على ذلك أن لا وجود لقيادة فلسطينية تمتلك حدا أدنى من القدرة على التعاطي مع ما يدور على الأرض واستيعاب المتغيرات.

عراقيون يحيون يوم القدس في شارع فلسطين ببغداد رافعين صورة المرشد الأعلى الإيراني

هل هناك شيء اسمه صفقة القرن؟ لا وجود لمثل هذه الصفقة التي تستخدم إيران وأدواتها الكلام عنها لتخوين العرب والقول إنّهم تخلوا عن القضية الفلسطينية والفلسطينيين. هناك أفكار عامة قد تنتج صفقة ما لا أكثر. أمّا الواقع، فيتمثّل في أنّ الفلسطينيين أنفسهم تخلوا عن قضيّتهم باكرا عندما كان العالم كلّه يسعى إلى الخروج بتسوية ما تلبي مطالب شعب موجود على الخارطة السياسية للشرق الأوسط ولا يستطيع أحد إلغاءه.

كانت بداية التخلي الفلسطيني عن القضيّة عندما قبلت منظمة التحرير أن تكون بمثابة شركة مساهمة، أي أن تكون لأكثر من دولة عربية واحدة حصّة صغيرة أو كبيرة في قيادة المنظمة في ظلّ رجل اسمه ياسر عرفات اعتقد أنّ في استطاعته إدارة الشركة واللعب على كل التناقضات الإقليمية والدولية انطلاقا من عمّان ثمّ من بيروت.

لم يستطع ياسر عرفات، الذي يظلّ الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، الخروج من أزقة بيروت إلى رحاب العالم الواسعة، إلّا بعد انتقاله إلى تونس. في تونس تحرّر “أبو عمّار” أخيرا من قبضة النظام السوري ومن عقدة الأرض التي كانت “جمهورية الفاكهاني” أفضل تعبير عنها. تحرّر في تونس خصوصا من مقولة حافظ الأسد المشهورة وهي أنّ “القرار الفلسطيني المستقلّ بدعة”.

بين صيف 1982، تاريخ خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان والكلام الحالي عن صفقة القرن في ظلّ نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ارتكبت القيادة الفلسطينية كمّية لا تحصى من الأخطاء.

أدت هذه الأخطاء إلى الوصول إلى الوضع الراهن الذي لم تعد فيه فلسطين، إلّا بالنسبة إلى المتاجرين بها وبشعبها، قضية العرب الأولى. لا بدّ في طبيعة الحال من استثناء الأردن وذلك لسبب في غاية البساطة يعود إلى أنّ لديه مصلحة ذات طابع حيوي في قيام الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا عائد بشكل خاص إلى طبيعة التحديات التي تواجه المملكة الهاشمية. في مقدّم هذه التحديات يأتي الوضع الاقتصادي، فضلا عن التركيبة السكانية للبلد.

لا يعني الكلام عن الأخطاء التي لا تحصى للقيادة الفلسطينية تجاهل اتفاق أوسلو بحسناته وسيئاته. كان الاتفاق خطوة أولى على طريق صناعة الحلم الفلسطيني وتحويله إلى حقيقة على أرض فلسطين. يمكن انتقاد أوسلو والحديث عن ثغراته وتفنيدها طويلا، لكنّه كان أفضل الممكن في ظلّ الظروف الإقليمية والدولية. كان اتفاقا يمكن البناء عليه.

أمكن التوصل إلى اتفاق أوسلو في العام 1993 على الرغم من الخطأ المريع الذي ارتكبه ياسر عرفات عندما لم يتخذ في الثاني من آب – أغسطس 1990 موقفا لا لبس فيه من المغامرة المجنونة التي أقدم عليها صدّام حسين باحتلاله الكويت.

إذا أخذنا في الاعتبار الموقف المستغرب كلّيا لـ“أبو عمار” من احتلال الكويت، يمكن اعتبار أوسلو إنجازا بحدّ ذاته، خصوصا أنّه فتح للفلسطينيين أبواب البيت الأبيض. حصل ذلك للمرّة الأولى منذ قيام منظمة التحرير الفلسطينية في ستينات القرن الماضي.

في ظلّ التدهور المستمرّ للوضع الفلسطيني، وهو تدهور لا يحد منه سوى صمود شعب متمسّك بهويته الوطنية التي يدافع عنها يوميا، جاء الكلام عن صفقة القرن. ليس الكلام عن صفقة القرن سوى تتويج لمرحلة جديدة يصعب على كثيرين، من الذين تربوا على شعارات مرتبطة بتحرير فلسطين و”القدس لنا”، استيعاب مدى خطورتها. تكمن خطورة هذه المرحلة في طبيعة التحديات الجديدة التي تواجه دول المنطقة من جهة ووجود إدارة أميركية تؤمن إيمانا عميقا بأهمية تجاوز العقدة الفلسطينية من جهة أخرى.

الأكيد أن مرور عملية نقل السفارة إلى القدس بسلام عزّز موقف القائلين إن لا داعي حتّى لصفقة القرن ولا حاجة إلى طرح أفكار أميركية على المعنيين بإيجاد تسوية تقوم على مفاهيم قديمة مرتبطة بالقدس وحدود 1967 وقرارات الشرعية الدولية مثل القرار الرقم 242.

ما ينطبق على العراق، ينطبق على سوريا أيضا. ليست القدس وحدها التي ضاعت. ضاعت أيضا بغداد والبصرة والموصل وضاعت دمشق وحلب وحمص وحماة.

ربّما كانت هناك خطوط عريضة لصفقة القرن طرحت في بداية عهد دونالد ترامب. الآن لم يعد هناك من وجود لمثل هذه الخطوط بمقدار ما هناك تفكير في كيفية وضع القضيّة الفلسطينية بين مزدوجين، خصوصا أنّه بات مفروضا على معظم العرب مواجهة المشروع التوسّعي الإيراني. بسبب وجود هذا المشروع، صار العراق نفسه في عداد الدول العربية التي لم يعد معروفا كيف سيكون مستقبلها.

ما ينطبق على العراق، ينطبق على سوريا أيضا. ليست القدس وحدها التي ضاعت. ضاعت أيضا بغداد والبصرة والموصل وضاعت دمشق وحلب وحمص وحماة. كذلك، ضاعت صنعاء التي صار المسؤولون الإيرانيون يضعونها في مصاف العواصم العربية التي تتحكّم بها طهران!

هناك من يريد الكلام بطريقة كلاسيكية عن فلسطين في ظلّ معطيات إقليمية جديدة لا علاقة لها بالماضي. لعلّ الدليل الأبرز على ذلك أن لا وجود لقيادة فلسطينية تمتلك حدّا أدنى من القدرة على التعاطي مع ما يدور على الأرض واستيعاب المتغيرات. هؤلاء الذين يتحدثون عن فلسطين بلغة الماضي لا يريدون الاعتراف بأنّ المنطقة صارت منطقة أخرى وأنّ أبرز ما تغيّر فيها أن ليس هناك من هو مستعجل على أيّ شيء ذي علاقة ما من قريب أو بعيد بفلسطين.

مرّة أخرى، يبدو الأردن مهتما وحده وبصدق، لأسباب خاصة به، بعدم ترك التسوية في مهبّ الريح والتلهي بالكلام عن صفقة لا وجود لها إلّا في أذهان الذين يريدون المتاجرة بالفلسطينيين وقضيتهم. هؤلاء التجار اخترعوا “يوم القدس”. ما الذي حققوه للقدس بعد كلّ هذه الأعوام التي شهدت تدميرا ممنهجا لكلّ مدينة عربية ذات معنى في منطقة المشرق؟

لم تعد من حاجة إلى صفقة القرن. ثمّة حاجة إلى انقلاب في نمط التفكير يأخذ في الاعتبار أن مفاعيل الزلزال العراقي الذي أعطى في العام 2003 دفعا جديدا للمشروع التوسعي الإيراني لم تنته بعد. هناك مفاعيل هذا الزلزال وهناك إدارة في واشنطن من نوع مختلف تماما. أقدمت هذه الإدارة على الانسحاب من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني.

التقى دونالد ترامب في سنغافورة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الباحث عن موقع جديد لبلاده خارج لائحة الدول المارقة التي لم يكن لديها ما تصدره إلى الخارج غير تكنولوجيا الصواريخ وإلى الداخل الكوري غير البؤس والجوع والحرمان…

من لا يتكيّف مع ما يشهده العالم والمنطقة من تغييرات ينتهي في وضع من يدور على نفسه. صارت إيران، بعد تخلي أميركا عن الاتفاق في شأن ملفّها النووي تدور على نفسها. كانت تعتقد قبل ذلك أن العالم كلّه يدور حولها.

لا عيب في رفض السقوط في فخّ عقدة القضيّة الفلسطينية، وهي قضيّة ستبقى حيّة ما دام الشعب الفلسطيني حيّا. وهذا ما تبدو دولة مثل إسرائيل عاجزة عن إدراكه. العيب في توهّم أنّ هناك صفقة اسمها صفقة القرن وأنّ كل الجهود يجب أن تنصبّ على مواجهتها إرضاء للمتاجرين بالقضية الفلسطينية من المزايدين على العرب في الوطنية في حين أنّ استثمارهم الوحيد هو في كلّ ما من شأنه تفتيت دول المنطقة الواحدة تلو الأخرى عن طريق سلاح، ولا أخطر، اسمه سلاح الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية.

المصدر : جريدة العرب

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صفقة القرن غير الموجودة صفقة القرن غير الموجودة



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 17:53 2017 السبت ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الأمير الحسين ينشر صورة على "إنستغرام" خلال تدريب عسكري

GMT 23:51 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

سعر الجنية المصري مقابل الدينار الليبي الجمعه

GMT 10:26 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

جزيرة "غران كناريا" فردوس أسباني مثالي للرياضات المائية

GMT 03:31 2018 الخميس ,28 حزيران / يونيو

أفكار مختلفة للديكورات الخاصة بـ"ممرات المنزل"

GMT 20:05 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

القواعد الخاصة بإتيكيت استلام الجوائز في الحفلات

GMT 23:08 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

غانم القحطاني يؤكّد على صعوبة مواجهة فريقه مع الريان

GMT 12:45 2015 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد بذور دوار الشمس" اللب السوري"

GMT 04:45 2015 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

هولي هولم تهزم روندا روزي أمام آلاف المتفرجين في ملبورن
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq