اليمن من منظور أمني استراتيجي

اليمن من منظور أمني استراتيجي

اليمن من منظور أمني استراتيجي

 العراق اليوم -

اليمن من منظور أمني استراتيجي

بقلم : خير الله خير الله

الكلّ في اليمن يريد العودة إلى الماضي مع استثناء واحد. هذا الاستثناء هو “الشرعية” ممثلة بالرئيس الموقت عبدربه منصور هادي الذي لا يمتلك ماضيا يستطيع العودة إليه، إلا إذا كان الماضي استعادة عهد علي عبدالله صالح وشخصية الرجل. يمكن للتخلّص من عقدة علي عبدالله صالح المساعدة في تأمين انتقال اليمن إلى مرحلة جديدة، لولا وهم القدرة على إعادة الحياة إلى الدور الذي لعبه الرئيس السابق كرئيس للجمهورية العربية اليمنية، ثم للجمهورية اليمنية بعد تحقيق الوحدة في الثاني والعشرين من أيار – مايو 1990.

تعود إحدى المشاكل الأساسية في اليمن إلى غياب المشروع السياسي الواضح لمستقبل البلد وما يفترض أن يكون عليه بعد انفـراط عقد الصيغة القديمة التي حكمت البلد وتحكمت به بين 1962 و1990، ثمّ بين 1990 و2011 عندما سعى الإخوان المسلمون إلى إسقاط علي عبدالله صالح ووراثته.

أدى ذلك إلى سقوط المركز، أي صنعاء. انتقل الصراع في 2011 إلى داخل أسوار العاصمة اليمنية، بما في ذلك الأحياء الداخلية.

مع اغتيال علي عبدالله صالح، الذي كان اغتيالا على دفعات، من الظلم في المرحلة الراهنة الرهان على دور يمكن أن يلعبه الحزب الذي أسسه الرئيس الراحل في العام 1982 وهو “المؤتمر الشعبي العام”.

كان الاغتيال الأوّل لعلي عبدالله صالح سياسيا عندما استغل حزب “التجمّع اليمني للإصلاح”، الذي تحوّل بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أواخر العام 2007، إلى جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين، “الربيع العربي” للاستيلاء على السلطة. 

أدى ذلك إلى سقوط الصيغة القديمة نهائيا وصعود صاروخي للحوثيين (أنصار الله) الذين عرفوا كيف يكون ملء الفراغ الناجم عن المواجهة بين علي عبدالله صالح والإخوان المسلمين الذين أرادوا تصفيته جسديا في الثالث من حزيران – يونيو 2011 في تفجير مسجد النهدين الواقع في حرم دار الرئاسة.

يريد “المؤتمر الشعبي العام” العودة إلى الماضي، لكن مشكلته تكمن في أن علي عبدالله صالح لم يعد موجودا. كان وجوده يستطيع تحريك كلّ اليمن. كان “المؤتمر” موجودا في كل زاوية من اليمن. في الشمال والجنوب والوسط. 

كان علي عبدالله صالح، على الرغم من الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها، بما في ذلك مساعدته في نشوء التيّار الحوثي وربطه بإيران، أكثر يمني يعرف اليمن. تستحيل مع غيابه إعادة الحياة إلى “المؤتمر الشعبي العام”. هذا حزب يمتلك ماضيا، لكنه لا يمتلك مستقبلا على الرغم من قاعدته الشعبية العريضة وعلى الرغم من الأفكار التي ينادي بها والتي تقوم على الاعتدال. 


هذا حزب ترعرع في حمى السلطة، وكان وسيلة للتسلّق لدى كثيرين. لم يعد معروفا حاليا من يمثل “المؤتمر”. هل هي الشخصيات التي لا تزال في صنعاء وتعيش في ظل الإرهاب الحوثي، أم تمثله الشخصيات التي انضمت إلى “الشرعية” أو تلك الشخصيات المحترمة الموجودة خارج اليمن والتي رفضت أن تكون مرتبطة بالرئيس الموقت وما يمثّله؟

ثمة حاجة إلى مشروع مستقبلي لليمن من منظور أمني استراتيجي قبل أي شيء آخر. هل هناك {شرعية}، حتى لو كانت موقتة، قادرة على ذلك، أي قادرة على امتلاك تصور للمستقبل؟

ليس وضع الإخوان المسلمين أفضل بكثير من وضع “المؤتمر” على الرغم من أنّ هؤلاء يستفيدون من مغانم “الشرعية” ولديهم وجود فيها. لكن الإخوان منقسمون على نفسهم، إذ بينهم من أقام علاقات مع الحوثيين، وهم يترحمون من دون شك على تلك الأيّام التي كانوا فيها يبتزون علي عبدالله صالح. كانوا يشاركونه في السلطة والثروة مستفيدين من المشاريع التي كانت تذهب لبعض قياداتهم، بما في ذلك تلك المرتبطة بالاتصالات أو النفط أو الثروة السمكية.

عبدالملك الحوثي يريد بدوره العودة إلى الماضي، أي إلى عهد الإمامة. لذلك أعلن بعد سيطرة “أنصار الله” على صنعاء عن أن هناك شرعية جديدة هي “الشرعية الثورية”، وأنّ “ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر 2014” حلت مكان “ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962” التي كانت انقلابا عسكريا قضى على العهد الإمامي.

 لا يستطيع الحوثي إعادة الحياة إلى العهد الإمامي في بلد يحتـاج أوّل ما يحتاج إلى مشـروع مرتبط بثقافة الحياة وليس بثقافة الموت المستوردة من إيران. ليس لدى الحوثي أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو تربوي أو أي شيء من هذا القبيل باستثناء ربط اليمن، أو على الأصحّ جزء من اليمن بالمشروع التوسّعي الإيراني الذي يستهدف المملكة العربية السعودية وكل دولة من دول الخليج العربي. 

يختزل الانتماء إلى الماضي، الذي عفا عنه الزمن، طموح الحوثيين الذين يعتقدون أن نشر الفقر والبؤس والتخلّف يمكن أن يبني دولة في القرن الواحد والعشرين. لديهم مشروع من دون أفق لن ينتهي قبل استنفاد الغرض من قيامه. لا مكان في اليمن للإمامة مجددا حتّى لو ارتدت ثوبا مذهبيا إيرانيا. 

هناك طريق مسدود أمام الحوثيين. كانوا يصلحون في مرحلة معينة لدور أراد علي عبدالله صالح منهم لعبه، أي أن يقيموا توازنا مع الإخوان المسلمين الذين أرادوا التمدد في كلّ اليمن وأن يحرموا الرئيس السابق من ممارسة اللعبة التي كان يتقنها، وهي لعبة قائمة على أن يكون في دور الحَكَم في أي صراع داخلي بين الأحزاب أو القبائل اليمنية، وحتى داخل كلّ حزب من الأحزاب أو قبيلة من القبائل.

من الطبيعي أن يكون في الجنوب اليمني من يريد العودة إلى الماضي، أي إلى ما قبل الوحدة. هذا حلم مشروع لولا أن الجنوب أثبت أنه لا يستطيع أن يكون دولة واحدة موحّدة. منذ استقل الجنوب في العام 1967 وهو مسرح لحروب أهلية لم تنته فصولها بعد. لولا هذه الحروب لما كانت الوحدة في العام 1990.

يطرح هذا الوضع السؤال الكبير. هل تستطيع “الشرعية” تقديم مشروع للمستقبل، خصوصا أن ليس لديها ماضيا تستطيع أن تحلم به أو أن تكون أسيرة له، اللهم إلا إذا كان هناك من يتصوّر أن في استطاعته أن يكون علي عبدالله صالح آخر. وهذا من رابع المستحيلات.

قد تكون هناك حاجة إلى إعادة تكوين “الشرعية”، على الرغم من حاجة التحالف العربي الذي يخوض معركة دفاع عن النفس من خلال “عاصفة الحزم” إلى هذه “الشرعية”. ما تشمله إعادة تكوين “الشرعية” البحث عن مشروع لليمن الجديد لا يأخذ في الاعتبار الحاجة إلى محاربة المرض والجوع والفقر فقط. ما يبدو مطلوبا أكثر من أي وقت هو مشروع يأخذ في الاعتبار أن اليمن جزء من منظومة أمنية إقليمية تمتد من الخليج العربي إلى القرن الأفريقي. هل في “الشرعية” من يستطيع استيعاب هذا الواقع، وأن مطار عدن ليس مطارا عاديا يبحث عمّن يستغل المنطقة الحرّة فيه كي يبيع بضاعته.

ما يبدو مطروحا هو الخروج من عقدة اسمها اليمن الواحد الذي يحكم من صنعاء، إلى اليمن الذي يشكّل منطقة إستراتيجية ذات حدود مع المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وشاطئ يمتد من الخليج العربي… إلى البحر الأحمر. في وسط هذا الشاطئ باب المندب الذي يتحكّم بكل الملاحة في قناة السويس. بكلام أوضح، ثمّة حاجة إلى مشروع مستقبلي لليمـن من منظـور أمني استراتيجي قبل أي شيء آخر. هل هناك “شرعية”، حتّى لو كانت موقتة، قادرة على ذلك، أي قادرة على امتلاك تصوّر للمستقبل؟

المصدر :  جريدة العرب

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليمن من منظور أمني استراتيجي اليمن من منظور أمني استراتيجي



GMT 22:36 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

اليمن والعنوان ومشكلة «الوكيل»

GMT 13:14 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

لمّا كان يسمّى «الخطّ الحديدي الحجازي»

GMT 12:24 2020 الأربعاء ,29 تموز / يوليو

"حزب الله".. أنا لبنان ولبنان أنا

GMT 18:44 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

عام ليبيا واليمن وسوريا

GMT 14:27 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حكاية الكتابة

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:08 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 09:48 2017 الجمعة ,10 آذار/ مارس

طرح عطر "Roberto Cavalli" الخشبي لعام 2017

GMT 06:04 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

تعرفي على طرق تغذية الشعر من الطبيعة

GMT 08:44 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

قوات الاحتلال تعتقل ثلاثة فلسطينيين من الخليل

GMT 07:45 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محررة موضة تكشف عن أفضل المعاطف للشتاء

GMT 05:18 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

"هيونداي i30 " تتحدى بمجموعة فائقة من المميزات

GMT 07:06 2017 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

بالدوين حديث الموسم خلال أسبوع الموضة في لندن

GMT 05:13 2017 الثلاثاء ,27 حزيران / يونيو

دنيا سمير غانم تهنئ شيماء سيف بمناسبة خطوبتها

GMT 23:28 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

معهد السلامة المرورية يستقبل وفدًا من الجيش السلطاني

GMT 03:35 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

جمهورية الجبل الأسود تستقبل عشاق الطبيعة الساحرة

GMT 08:53 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على تاريخ المدينة السويسرية الماجن
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq