سوريا والانفجار الكبير

سوريا والانفجار الكبير

سوريا والانفجار الكبير

 العراق اليوم -

سوريا والانفجار الكبير

بقلم ـ خير الله خير الله

تمرّ بعد أيام قليلة سبع سنوات كاملة على اندلاع الثورة الشعبية في سوريا في وجه نظام أراد حرمان المواطن من كرامته. ما بدأ في الحادي عشر من آذار – مارس 2011 بانتفاضة مراهقين وأطفال سوريين كتبوا على جدران مدرستهم في درعا عبارة “الشعب يريد إسقاط النظام”، ينتهي اليوم بتحوّل سوريا إلى “ساحة”. الكلام الآن عن “ساحة” لما يمكن أن يكون مواجهة بين قوى إقليمية وحتى دولية. هناك مخاوف حقيقية من مواجهة تهدد باشتعال المنطقة كلها وانفجارها بعد أن أصبح الوجود العسكري الأميركي والروسي والإيراني والتركي من الثوابت التي لا مفر من التعاطي معها لدى البحث في مستقبل سوريا. يضاف إلى ذلك، في طبيعة الحال، الوجود الإسرائيلي بشكل احتلال لهضبة الجولان، والغارات المستمرّة على مواقع عسكرية تابعة لإيران أو للنظام في داخل الأراضي السورية.

كانت الثورة السورية في البداية ثورة سلمية لمواطنين عاديين سئموا حال الاستعباد التي بدأت منذ بدء تحول سوريا إلى بلد يتحكّم به نظام أمني يديره عبدالحميد السرّاج، بين 1958 و1961. التقطت سوريا أنفاسها وتخلّصت من هذا النظام الأمني الذي أسّس له السرّاج إبان الوحدة مع مصر، وهي وحدة بقيت طوال ثلاث سنوات مجرد شعارات وممارسات “اشتراكية” أفقرت السوريين وجعلت أفضل العقول تهاجر من البلد. بعض هذه العقول هاجر إلى لبنان وساهم في نهضته التي شملت العمران والمصارف والصناعة.

تكفّل النظام البعثي، الذي قضى على محاولات إعادة الحياة إلى سوريا بين العامين 1961 و1963، بالقضاء على ما بقي من أمل لدى المواطن العادي باستعادة بلده. استولى البعث بكلّ تخلّفه، على السلطة في الثامن من آذار – مارس 1963 ومهد الطريق لقيام نظام طائفي لم يمتلك أي شرعية من أي نوع في يوم من الأيام.

لا يمكن فهم أسباب الثورة الشعبية السورية من دون العودة إلى النظام الأقلوي الذي بدأت تتبلور معالمه في الثالث والعشرين من شباط – فبراير عام 1966، وصـولا إلى احتكار حافـظ الأسد للسلطة كلها ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر عام 1970 تمهيدا لتوريث نجله بشار في صيف السنة 2000.

كان فقدان الأمل في حياة أفضل السبب الأساسي لقيام الثورة الشعبية في سوريا. كان يمكن لهذه الثورة الشعبية أن تنقل البلد إلى عالم مختلف في ضوء ما لدى سوريا من ثروات وقدرات في أساسها ثروة الإنسان. يدرك الإنسان السوري العادي تماما قيمة العمل ساعات طويلة في كل يوم من أجل تحسين وضع عائلته. الأهم من ذلك كله، أن الإنسان السوري يمتلك القدرة على ممارسة الصبر والعيش في ظروف صعبة في ظل نظام لا يعرف من وسيلة للبقاء في السلطة غير القمع وإلغاء الآخر.

في سبع سنوات، انتقلت الثورة الشعبية من التظاهرات السلمية إلى الحرب الأهلية السورية مع بدء ظهور التنظيمات ذات الطابع الديني التي دخلت في حرب في ما بينها ومع “الجيش الحرّ”.

ما نشهده اليوم، بعد سبع سنوات على بدء الثورة، هو تطوّر في غاية الأهمية في مجال خلق الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى انفجار كبير في المنطقة تتسبب به سوريا

كانت المرحلة الثانية من الثورة الشعبية، التي كانت في جزء منها حربا أهلية، حروبا بالوكالة بين أطـراف خارجية تورّطت، بطريقة أو بأخرى، في ما يدور على الأرض السورية.

شيئا فشيئا، راهن النظام على “داعش” الذي هو صنيعته أصلا، كي يظهر في مظهر أنّه يقاتل الإرهاب. كان لدى النظام في كلّ وقت ثابت واحد هو المدن السنّية الكبيرة. تخلص من حمص وحماة وحلب. لم تبق سوى دمشق التي عمل ولا يزال يعمل على تغيير طبيعة تركيبتها السكانية. يعرف هذا النظام، والذين يقفون خلفه، أن خروجه من دمشق يعني خروجه نهائيا من سوريا. هذا ما يدركه تماما الإيراني والروسي. وهذا ما جعل الإيراني يستنجد بالروسي في أيلول – سبتمبر من العام 2015 كي يبقى بشّار الأسد في دمشق.

سقط النظام عمليا، لكن المطلوب أن يبقى من هو على رأسه في دمشق كي يحقّق الروسي ما يريد تحقيقه، وكي يجد الإيراني غطاء لممارساته الهادفة إلى الاستيلاء على جزء من الأرض في الجنوب السوري بما يسمح له بالمحافظة على جسر إلى لبنان.

ما نشهده اليوم، بعد سبع سنوات على بدء الثورة، هو تطوّر في غاية الأهمية في مجال خلق الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى انفجار كبير في المنطقة تتسبب به سوريا. ليس ما يجري في الغوطة الشرقية سوى تعبير عن المأزقين الروسي والإيراني. تلجأ روسيا إلى كلّ أنواع القصف كي تستسلم الغوطة. ماذا إذا استسلمت الغوطة؟ هل هناك في واشنطن من سيقتنع عندئذ أن عليه التفاوض مع موسكو في شأن ما يتجاوز سوريا؟ تكمن مشكلة الروسي في أنّ هناك من أغرقه في سوريا، لكن ليس هناك من يريد التفاوض معه في شأن أمور أخرى من بينها أوكرانيا، على سبيل المثال وليس الحصر…

كان ملفتا في الأسابيع القليلة الماضية كلام صدر عن مسؤولين إيرانيين عن حجم الاستثمار الذي قامت به “الجمهورية الإسلامية” في هذا البلد من أجل تمكين بشّار الأسد من البقاء في دمشق. قال أحدهم إن إيران وظفت ما يزيد على عشرين مليار دولار في سوريا في السنوات القليلة الماضية. قال آخر إنه لولا الدعم الإيراني، لكان بشّار الأسد غادر سوريا في العام 2012. كان ذلك القرار غاية في التعقل وكان يعني أن الأسد الابن يعي النتائج التي ستترتب على بقائه في دمشق تحت رحمة الإيراني والروسي.

بعد سبع سنوات ليس معروفا إلى أي حد يمكن أن تذهب إيران في خلق أمر واقع جديد يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل التي تعاني بدورها من أزمة داخلية في ضوء التحقيقات الجارية مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو. من الواضح أنّ كل الأسباب التي يمكن أن تؤدّي إلى تغيير طبيعة الصراع في سوريا باتت متوافرة في ظل وجود عسكري أميركي في “سوريا المفيدة” أي في شمال شرق سوريا حيث النفط والغاز والمياه والزراعة. من الواضح أيضا أنّ تركيا التي أقامت مواقع في سوريا تتطلع إلى وجود دائم فيها رسم الأميركيون إطاره.

من الثورة السلمية، إلى حروب بالوكالة، إلى حروب الآخرين في سوريا، ليس ما يشير إلى أن نهاية المأساة باتت قريبة. صارت تركيا تعرف حدودها، وصارت روسيا تدرك أن الدخول إلى سوريا ليس مثل الخروج منها. الأهم من ذلك كله أن إيران تغامر بالذهاب بعيدا في لعب ورقة الحرب، في وقت تعاني إسرائيل من وضع يمكن أن يدفعها إلى مغامرة كبيرة…

فوق ذلك لا وجود لضابط إيقاع أميركي يؤكد بين وقت وآخر أن دونالد ترامب ليس باراك أوباما، وأن ليس كافيا إجراء مناورات عسكرية ضخمة مع إسرائيل كي تفهم إيران أن اللعبة التي تمارسها في غاية الخطورة، حتّى لو كانت العناصر الميليشياوية التي تستخدمها في لعبتها السورية لبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية وما شابه ذلك… 

المصدر : جريدة العرب

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا والانفجار الكبير سوريا والانفجار الكبير



GMT 16:31 2021 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

لا "ترامبية"... بعد ترامب

GMT 16:54 2020 الأربعاء ,15 تموز / يوليو

بداية حرب في المنطقة…

GMT 08:31 2020 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

رهان عربي على مصر.... من ليبيا

GMT 13:35 2020 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

الأردن... ومزايدات الاخوان

GMT 15:25 2020 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

كأس أخرى من السمّ

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:08 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 09:48 2017 الجمعة ,10 آذار/ مارس

طرح عطر "Roberto Cavalli" الخشبي لعام 2017

GMT 06:04 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

تعرفي على طرق تغذية الشعر من الطبيعة

GMT 08:44 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

قوات الاحتلال تعتقل ثلاثة فلسطينيين من الخليل

GMT 07:45 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محررة موضة تكشف عن أفضل المعاطف للشتاء

GMT 05:18 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

"هيونداي i30 " تتحدى بمجموعة فائقة من المميزات

GMT 07:06 2017 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

بالدوين حديث الموسم خلال أسبوع الموضة في لندن

GMT 05:13 2017 الثلاثاء ,27 حزيران / يونيو

دنيا سمير غانم تهنئ شيماء سيف بمناسبة خطوبتها

GMT 23:28 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

معهد السلامة المرورية يستقبل وفدًا من الجيش السلطاني

GMT 03:35 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

جمهورية الجبل الأسود تستقبل عشاق الطبيعة الساحرة

GMT 08:53 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على تاريخ المدينة السويسرية الماجن
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq