موازين القوى والمأساة الفلسطينية

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

 العراق اليوم -

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

بقلم - خير الله خير الله

لا تستطيع حركة "حماس" استيعاب أن من لا يعترف بموازين القوى لا مكان له في هذا العالم. إنها بالفعل مأساة تسبب فيها الجهل وغياب المنطق ورفض التعلم من تجارب الماضي قبل أي شيء آخر.

الاحتلال بات هو القاعدة

تدفع “حماس” ويدفع معها الفلسطينيون عموما ثمن سلسلة من الأخطاء ارتكبت منذ العام 1947 لدى صدور قرار التقسيم. ليس ما آل إليه الوضع في القطاع الذي وضعت تلك الحركة يدها عليه كلّيا في منتصف العام 2007 سوى نتيجة طبيعية لعدم استيعاب مبدأ أساسي في السياسة اسمه موازين القوى.

اضطرت “حماس” أخيرا إلى اتخاذ إجراءات ذات طابع تقشفي شملت إغلاق محطة تلفزيونية فضائية تابعة لها كانت تبث من بيروت. أدّى ذلك، بين ما أدّى إليه، إلى إغلاق المكتب التابع للمحطة في العاصمة اللبنانية. كذلك، أغلقت “حماس” محطة “الأقصى” التي كانت تبث من غزّة.

كلّ ما في الأمر أنّ “حماس” تعاني حاليا من شحّ في المساعدات الخارجية التي اتكلت عليها طويلا من أجل إبقاء مشروع “الإمارة الإسلامية” في غزّة حيّا يرزق. لعبت إيران وغير إيران دورا في توفير مساعدات لـ”حماس” كي تلعب دور المعرقل لأي تسوية سياسية، في وقت كانت هناك دائما قوى إسرائيلية تعمل من أجل إجهاض هذه التسوية.

إذا نظرنا إلى الدور الذي لعبته “حماس” منذ قيامها، نجد أنّها قدّمت كل الخدمات المطلوب تقديمها إلى اليمين الإسرائيلي الذي بات حاليا واقعا لا مجال لتجاوزه. الدليل على ذلك، أنّ المنافسة في الانتخابات الإسرائيلية المتوقعة في نيسان – أبريل المقبل هي بين اليمين واليمين. سيفوز في الانتخابات الحزب الأكثر تطرّفا بعدما استثمرت “حماس” والقوى التي دعمتها في العمليات الانتحارية في مرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، ثمّ في فوضى السلاح في غزّة، وصولا إلى الصواريخ المضحكة – المبكية التي راحت تطلقها من غزّة بعد 2007. كان الهدف واضحا في كلّ وقت. تمثّل هذا الهدف في إفشال المشروع الوطني الفلسطيني الذي كان يمكن أن يحقق بعض التقدم لو وجد ما يكفي من الوعي لدى السلطة الوطنية التي نشأت بعد اتفاق أوسلو، ولدى الحركة الإسلامية التي تريد السلطة بأيّ ثمن.

المؤسف أنّ “حماس” خدمت كلّ إسرائيلي كان يقول أن لا فائدة من التفاوض مع الفلسطينيين وذلك خدمة للقوى العربية وغير العربية التي تؤمن باستمرار حال اللاحرب واللاسلام إلى ما لا نهاية. سمح ذلك لإسرائيل بمتابعة سياسة الاستيطان في الضفّة الغربية والحؤول دون تمكن الفلسطينيين من بناء مؤسسات حديثة وشفّافة تصلح أساسا لدولة مستقلّة كان يمكن أن ترى النور في يوم من الأيّام.

كانت نقطة التحوّل الكبيرة الانسحاب الإسرائيلي من غزّة صيف 2005. وقتذاك، لعبت السلطة الفلسطينية و”حماس” دورا سلبيا أدّى إلى عجز عن الاستفادة من هذا الانسحاب الذي كان يفترض أن يكون بداية عملية تصبّ في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني. أكثر من ذلك، لعبت “حماس” مع السلطة الوطنية دورا في جعل تجربة الانسحاب من غزّة تخدم الهدف الإسرائيلي. كانت هناك شراكة بين رموز في السلطة الوطنية و”حماس” في تدمير البنية التحتية التي تركها الاحتلال الإسرائيلي بدل الاستفادة منها. أحد المسؤولين في “فتح”، من أعضاء اللجنة المركزية في تلك المرحلة، كان يحفر الطرق لاستخراج البحص وبيعه…

بنت إسرائيل على الفشل الفلسطيني في غزّة، وهو فشل تتحمّل مسؤوليته “حماس” والسلطة الوطنية في رام الله، كي تؤكد صحة نظريتها القائلة أن لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه.

كان في الإمكان تحويل غزّة إلى منطقة مزدهرة، خصوصا أن جهودا بذلها في حينه الأمن الوقائي من أجل تأمين فتح معبر رفح مع مصر 24 ساعة على 24 ساعة. كذلك كان هناك تأمين لحرية الانتقال بين الضفة والقطاع. لعبت “حماس”، في ظلّ لامبالاة السلطة الوطنية، دورا في القضاء على تجربة واعدة كان يمكن أن توفر للعالم فرصة كي يتأكّد من أن الفلسطينيين شعب مسالم تعرّض لظلم شديد، وأنّ همّه محصور في الحصول على حقوقه الوطنية المشروعة.

انسحبت إسرائيل من غزّة كلّها في وقت كان آرييل شارون في موقع رئيس الوزراء. كان المحامي دوف فايسغلاس مديرا لمكتب شارون. أدلى فايسغلاس وقتذاك بحديث إلى صحيفة “هآرتس” شرح فيه الأسباب التي دفعت إلى اتخاذ قرار الانسحاب من غزّة. قال صراحة إن هدف إسرائيل من إخلاء القطاع هو الإمساك بطريقة أفضل بالضفّة الغربية.

لم تمض سنتان، حتّى كانت “حماس” تستولي على غزّة متجاهلة الظروف التي أحاطت بالانسحاب الإسرائيلي والهدف منه. بدأت الحركة، التي هي جزء لا يتجزّأ من حركة الإخوان المسلمين، إطلاق شعارات من نوع تحرير فلسطين كلّها. تحدثت عن انتصار على إسرائيل في وقت كانت إسرائيل تكرّس احتلالها للقدس وتبني مزيدا من المستوطنات في الضفّة الغربية.

منذ الانقلاب الذي نفّذته “حماس” قبل اثني عشر عاما، تغيّرت أمور كثيرة. بين ما تغيّر الموقف الأميركي من القدس وارتفاع عدد المستوطنين في الضفّة الغربية إلى نحو 800 ألف مستوطن في أقلّ تقدير. بات المستوطنون يتحكمون بالسياسة الإسرائيلية والحكومات الإسرائيلية. بات الاحتلال هو القاعدة، وبات هناك مجتمع دولي غير مبال بالقضيّة الفلسطينية. أمّا على الصعيد العربي، فإن كلّ ما يمكن قوله أن لا اهتمام يذكر بها في ظل تصاعد الخطر الإيراني. فإسرائيل، على الرغم من توقيع معاهدتيْ سلام مع مصر والأردن، لم تستطع اختراق المجتمعات العربية. لا يزال هناك رفض عربي للتطبيع بغض النظر عمّا قيل ويقال عن تغيير في المزاج الخليجي. في نهاية المطاف، لم يكن لبنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يزور سلطنة عُمان لولا غطاء ضمني إيراني. تغطي إيران وجود نتانياهو في مسقط، وتتاجر في الوقت ذاته بالقضية الفلسطينية والقدس بالذات!

ما لم يتغيّر هو رفض “حماس” لعملية القيام بعملية نقد للذات والاعتراف بأنّها لعبت دورا في خدمة إسرائيل، خصوصا عندما تواطأت معها كي يتحول القطاع إلى سجن كبير في الهواء الطلق. ما لم يتغيّر أيضا هو دور السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصبحت تكتفي بدور التنسيق الأمني الذي لا مضمون سياسيا له مع إسرائيل…

الأخطر من ذلك كلّه، والذي يمكن وضعه في خانة ما لم يتغيّر، هو ذلك الرفض للاعتراف بموازين القوى القائم. مثل هذا الاعتراف كان سيؤمّن الكثير للفلسطينيين. على سبيل المثال وليس الحصر، كان سيبقى معبر رفح مفتوحا. هل سأل قادة “حماس” أنفسهم ولو مرّة واحدة لماذا يقف العالم مكتوفا أمام الحصار الذي يتعرّض له القطاع، ولماذا لا أحد، بما في ذلك السلطة الوطنية، يكترث بمصير الغزّاويين؟

إذا كان من إنجاز حققته “حماس” في غزّة، فإن هذا الإنجاز يتمثل في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني الذي كان يمتلك طاقات إنسانية جبّارة. ليس في غزّة حاليا، المتشّحة بالسواد، سوى مزيد من البؤس والفقر ولا شيء آخر غير ذلك. لا تستطيع “حماس” استيعاب أنّ من لا يعترف بموازين القوى لا مكان له في هذا العالم. إنّها بالفعل مأساة تسبب فيها الجهل وغياب المنطق ورفض التعلّم من تجارب الماضي قبل أيّ شيء آخر.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موازين القوى والمأساة الفلسطينية موازين القوى والمأساة الفلسطينية



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:54 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

تعرف على "أهل الدثور" وأسباب دخول الجنة

GMT 10:07 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

Incredible Things عطر ساحر من نفحات الأخشاب الطبيعية

GMT 18:46 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

صلاح يفك عقدة لازمته منذ 2014 في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 21:25 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"كلام ستات" يناقش مبادرة "بدّلها بفضة" لتسهيل الزواج

GMT 02:06 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفخم الفنادق في مدينة هونغ كونغ الصينية

GMT 04:13 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

"ديكورات" مشرقة في شقّة جون بون جوفي الـ"دوبلكس"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أبوالفتوح تكشف فوائد تناول الردة خلال الوجبات

GMT 03:36 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تناول المكسرات يساعد على استقرار مستويات السكر

GMT 01:21 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

شاكيرا تستعد لإحياء حفلة غنائية في إسرائيل

GMT 22:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سائق حافلة ركاب في إسبانيا يرفض صعود منقبة للحافلة

GMT 00:14 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الجمعة

GMT 05:14 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعاون "فوكس" و" ديزني" يكشف عن تقاعد "مردوخ" أم خطة جديدة

GMT 12:17 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح استئصال ورم من بطن سيدة في جازان وزنه 5 كيلو جرام

GMT 07:35 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

سلام العمري تبدع في صناعة الشموع بطرق مختلفة جذابة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq