إذا كان "عهد حزب الله" في لبنان عاجزا عن معالجة مشكلة الكهرباء في ظل سيطرة جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، على وزارة الطاقة منذ 12 عاما، هل يمكن ائتمان مثل هذا العهد على تحقيق في موضوع دقيق مثل موضوع كارثة بيروت؟
وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالعودة إلى بيروت في أوّل أيلول – سبتمبر المقبل في ذكرى مرور قرن على إعلان دولة لبنان الكبير وبداية الانتداب الفرنسي الذي انتهى بالاستقلال في 22 تشرين الثاني – نوفمبر 1943.
سيعود الرئيس الفرنسي للتأكّد من أن الطاقم الحاكم في لبنان لا يستطيع أن يكون في مستوى المسؤولية واستيعاب حجم الكارثة التي حلّت ببيروت والنتائج التي ستترتّب عليها. كذلك، سيتأكّد ماكرون من أن “عهد حزب الله” و“حكومة حزب الله” لا يستطيعان التقدّم أي خطوة إلى الأمام من أجل تحقيق الإصلاحات المطلوبة. هذه الإصلاحات صارت شرطا وضعه المجتمع الدولي من أجل حصول لبنان على مساعدات.
أكثر من ذلك، سيكتشف ماكرون ما رفض التحدّث عنه خلال زيارته القصيرة لبيروت عن أن “حزب الله” يهيمن على كلّ مؤسسات الدولة اللبنانية ويمنع تشكيل لجنة تحقيق دولية في الانفجار الضخم الذي دمّر جزءا من بيروت. يخشى الحزب ذلك، وهو ما دفع رئيس الجمهورية إلى اتخاذ موقف معاد من لجنة التحقيق الدولية نظرا إلى أن الحقيقة هي غير ما يردّده الحزب عن الانفجار.
هناك هرب من لجنة التحقيق الدولية لأنّ الحقيقة شيء آخر يختلف كلّيا مع ما ورد على لسان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله في خطابه الأخير مساء الجمعة. بعد مضي 72 ساعة فقط على كارثة بيروت، جزم حسن نصرالله أن لا علاقة للحزب بما حصل في ميناء العاصمة اللبنانية. ذهب إلى حدّ تأكيد أن الحزب لا يعرف شيئا عمّا يدور في الميناء. كانت النكتة التي أطلقها أن الحزب يعرف عن ميناء حيفا أكثر مما يعرف عن ميناء بيروت!
في لقائه مع رؤساء الكتل اللبنانية في مقر إقامة السفير الفرنسي قال ماكرون كلاما صريحا وفجّا. سأل الحاضرين كيف يمكن أن يثق بكم اللبنانيون إذا كنتم عاجزين عن معالجة مشكلة الكهرباء؟ إذا كان “عهد حزب الله” في لبنان عاجزا عن معالجة مشكلة الكهرباء في ظل سيطرة جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية، على وزارة الطاقة منذ 12 عاما، هل يمكن ائتمان مثل هذا العهد على تحقيق في موضوع دقيق مثل موضوع كارثة بيروت؟
حاول الرئيس الفرنسي أثناء الساعات القليلة التي أمضاها في العاصمة اللبنانية الأربعاء السادس من آب – أغسطس 2020، إفهام كبار المسؤولين اللبنانيين بتشكيل حكومة وحدة وطنية والمباشرة بالإصلاحات. إنّها دعوة صريحة إلى تغيير سلوك كبار المسؤولين. لن تجد دعوة ماكرون أيّ آذان صاغية في غياب رئيس للجمهورية يمتلك الحدّ الأدنى من التواضع للاعتراف بأنّ لبنان عند مفترق طرق وأنّه لا يمكن أن يعيش في ظلّ هيمنة “حزب الله” على مرافق الدولة، بما في ذلك ميناء بيروت.
ما يؤكّد أن ميشال عون عاجز عن إدراك ما هو على المحكّ الكلام السطحي عن “فكّ الحصار” عن لبنان نتيجة الكارثة التي حلّت ببيروت. هناك رئيس للجمهورية لا يفرّق بين المساعدات الإنسانية إلى لبنان من جهة والعقوبات الأميركية المفروضة على البلد بسبب الموقف من “حزب الله” وتحوّل لبنان إلى قاعدة صواريخ إيرانية من جهة أخرى.
هناك استخفاف لدى رئيس الجمهورية بخطورة المرحلة التي يمرّ فيها لبنان، في حين لا يمكن لوم “حزب الله” على موقفه، خصوصا أن الحزب لا يرى في لبنان سوى “ساحة” لإيران. همّه الوحيد خدمة إيران بصفة كونه لواء في “الحرس الثوري” ولا شيء آخر.
في آخر العام 1968 نفّذت وحدة كوماندوس إسرائيلية إنزالا في مطار بيروت. في غضون أربعين دقيقة، دمرت 13 طائرة لشركة “ميدل إيست”. لم يفهم السياسيون معنى ما قامت به إسرائيل التي حذرت مرارا من انطلاق فلسطينيين من مطار بيروت لخطف طائرات في مختلف أنحاء أوروبا. استخفّ لبنان بالتهديد الإسرائيلي ووقّع في خريف العام 1969 مع منظّمة التحرير الفلسطينية اتفاق القاهرة الذي كان بداية النهاية للبنان. ليس مطلوبا الدخول في أي نوع من التطبيع مع إسرائيل بمقدار ما أن المطلوب التمهّل قليلا والتفكير بما يمكن أن يلحق بلبنان في حال اعتمد أجندة “حزب الله”.
يقف لبنان عند مفترق. لهذا السبب هناك حاجة أكثر من أيّ وقت للجنة تحقيق دولية لكشف حقيقة ما جرى يوم الرابع من آب – أغسطس 2020 بدل لفلفة الموضوع وتجاهل رئيس الجمهورية للتقرير ذي الطابع التحذيري الذي تسلّمه في 20 تموز – يوليو الماضي، أي قبل ثلاثة أسابيع من وقوع الكارثة.
لا خيار آخر أمام ميشال عون غير الارتقاء إلى مستوى المسؤولية. هذا يعني مواجهة الواقع بدل الهرب منه، أي القول لـ“حزب الله” إن احتمال أن تكون إسرائيل استهدفت موقعا له في ميناء بيروت أمر وارد.. وهناك حاجة إلى لجنة تحقيق دولية لمعرفة ما الذي حصل.
وحده التحقيق الدولي يمكن أن يظهر الحقيقة ويوفّر على لبنان المزيد من الخراب. منذ الإنزال الإسرائيلي في مطار بيروت في 1968 الذي ردّ عليه لبنان باتفاق القاهرة، وصولا إلى انفجار ميناء بيروت هاجر نصف مسيحيي لبنان. هاجر أيضا قسم كبير من المسلمين. هاجرت معظم العقول اللبنانية من كلّ الطوائف والمناطق. في تاريخ لبنان الحديث، لم تعرف سوى خفايا جريمة واحدة من مئات الجرائم التي ارتكبت. بفضل المحكمة الدولية عُرف من قتل رفيق الحريري. كانت تلك المرّة الوحيدة التي يحدّد فيها القاتل.
لماذا الهرب من الحقيقة في السنة 2020، لماذا لا يوجد في السلطة من يسعى إلى محاولة الاستفادة من دروس التاريخ القريب، بما في ذلك من درس هجرة هذا العدد الكبير من مسيحيي لبنان في أثناء وجود ميشال عون للمرّة الأولى في قصر بعبدا في 1988 و1989 و1990 وخوضه لحربي “الإلغاء” والتحرير” الفاشلتين.. متكلا وقتذاك على صدّام حسين ودعمه؟
مؤسف الاضطرار إلى الكلام عن مسيحي ومسلم في لبنان. ما حصل في الرابع من آب – أغسطس كان ضربة قاضية موجهة إلى قلب المناطق المسيحية واقتصادها. عرف الرئيس إيمانويل ماكرون ما على المحكّ في لبنان. لذلك جاء إلى بيروت ولمس عن قرب وجع الناس. هذا ما لم يشعر به بعد لا رئيس الجمهورية ولا حسّان دياب رئيس “حكومة حزب الله” اللذان لا يبدو أن لديهما همّا آخر غير التغطية على الكارثة وأسبابها بدل التفكير في كيفية حماية لبنان وتمكينه من الاحتفال بالذكرى المئوية لقيامه.