في لبنان لا يوجد من يريد الإجابة عن الأسئلة الحقيقية من نوع تلك المتعلّقة بمعادلة السلاح الذي يحمي الفساد أو ملفّ الكهرباء أو انهيار النظام المصرفي أو تفجير ميناء بيروت.
دخل “عهد حزب الله” في لبنان سنته الخامسة. أيّ مصير ينتظر البلد في نهاية هذا العهد، في الواحد والثلاثين من تشرين الأوّل – أكتوبر 2022؟ بكلام أوضح، هل من لبنان في نهاية “عهد حزب الله”؟
ليس ما يضمن بقاء لبنان في صيغته الحالية بأيّ شكل بعدما تبيّن أنّ ثمّة حاجة إلى إصلاحات جذرية على كلّ الصعد في ضوء إصرار فريق معيّن على وضع يده على البلد وتعطيل الحياة السياسية فيه… مع تحويله في الوقت ذاته إلى أرض طاردة لأهلها. هناك حملة واضحة تصب في اتجاه تهجير اللبنانيين من لبنان، على رأس المطلوب تهجيرهم المسيحيون الذين كانوا في الماضي يشكلون نصف عدد سكان لبنان والذين تضاءل عددهم مع الوقت.
لم يعد سرّا أن “عهد حزب الله” الذي بدأ في العام 2016 سيتكفّل بعمل ما لم تستطع السنتان اللتان أمضاهما ميشال عون في قصر بعبدا بين أيلول – سبتمبر 1988 وتشرين الأول – أكتوبر 1990 عمله. أصرّ وقتذاك، بصفة كونه رئيسا لحكومة مؤقتة، على خوض حرب مع “القوّات اللبنانية” التي كانت ما زالت ميليشيا مسيحية. كانت النتيجة تدمير جزء من المنطقة المسيحية على رؤوس ساكنيها وأكبر موجة هجرة مسيحية من لبنان.
لم تبق أمام الرئيس ميشال عون سوى سنتين في قصر بعبدا. لكنّهما سنتان حاسمتان بالنسبة إلى مصير لبنان كدولة قابلة للحياة في ظلّ إشارات عدّة مثيرة للقلق. في مقدّم هذه الإشارات أن مصير لبنان لا يهمّ “حزب الله” بمقدار ما يهمّه أن يكون لبنان ورقة إيرانية لا أكثر في أيّ مفاوضات يمكن أن تحصل بين الإدارة الأميركية من جهة و”الجمهورية الإسلاميّة” من جهة أخرى. في “عهد حزب الله”، لم يعد قرار لبنان لبنانيا بمقدار ما أنّ المطلوب أن يكون لبنان مجرّد تابع في “محور الممانعة” الذي تقوده إيران.
إذا أخذنا في الاعتبار الأحداث التي مرّ بها لبنان منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية في اليوم الأخير من تشرين الأوّل – أكتوبر 2016، يتبيّن أن لا وجود لأيّ بارقة أمل في الأفق. كلّ ما هناك سلسلة من الانهيارات تترافق مع تجاهل لواقع يتمثّل في أن البلد لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة بعدما تحكّمت به معادلة السلاح يحمي الفساد. هذه المعادلة التي فرضها “حزب الله” جعلته قادرا على تسمية من يكون رئيس الجمهورية المسيحي في لبنان. ليس ما يشير إلى أن هناك من يستطيع كسر هذه المعادلة التي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه، أي إلى بلد مفلس في كل المجالات وعلى كل صعيد، خصوصا بعد انهيار النظام المصرفي اللبناني وبعد تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب – أغسطس الماضي، أي قبل ما يزيد على ثلاثة أشهر.
من السهل القول إنّ التحرّك الشعبي الذي بدأ في السابع عشر من تشرين الأوّل – أكتوبر 2019 كان في أساس التردي الذي أوصل لبنان إلى الإفلاس وأنّه لولا الانتفاضة الشعبية، لما وجدت المصارف مبررا كي تغلق أبوابها وتحتجز أموال المودعين. هذه كذبة كبيرة ليس بعدها كذبة في غياب من يقول للبنانيين ما الذي حلّ بأموالهم ومن المسؤول فعلا عن انهيار نظام مصرفي يشكّل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني. لا يوجد من يفسّر لماذا كانت تلك الحملة المبرمجة على المصارف والنظام المصرفي بعد العقوبات الأميركية على “حزب الله”؟
في “عهد حزب الله” لا توجد سلطة قادرة على تقديم أجوبة عن أسئلة في غاية البساطة. يوجد ضياع على كلّ صعيد. إنّه عهد يعبّر عن ضياع لبنان الذي ذهب إلى المفاوضات مع إسرائيل في شأن ترسيم الحدود البحرية من موقع البلد المفلس في كلّ المجالات.
ما الذي يفترض في اللبنانيين توقعه في المدى القريب؟ الجواب بكل بساطة أنّ “عهد حزب الله” لم يستطع إلى الآن الإجابة عن أي سؤال من الأسئلة المطروحة، بما في ذلك الأسئلة المرتبطة بأموال اللبنانيين والعرب في المصارف. الأهمّ من ذلك، أنّ لا وجود لسلطة في لبنان على استعداد لتقديم أي جواب عن سبب تفجير مرفأ بيروت. كيف يمكن بعد مرور ثلاثة أشهر ألّا يكون هناك من يستطيع إعطاء ولو فكرة عامة عن الجهة المسؤولة عن الإهمال الذي تسبب بتلك الكارثة؟
في الواقع، لا يمكن توجيه أي سؤال إلى عهد يعتبر نفسه فوق المساءلة بمجرّد أن المعادلة المعمول بها تتمثّل في أنّ السلاح يحمي الفساد. لو كان الأمر مختلفا، ولو كان هناك أي بريق أمل في مستقبل أفضل للبنانيين، لكانت تألّفت الحكومة اللبنانية الجديدة سريعا برئاسة سعد الحريري. لم تتشكّل الحكومة لسبب في غاية البساطة يعود إلى أن ما يسمّى “التيّار العوني” حريص على بقاء وزارة الطاقة في حوزته. فشل هذا التيّار في 12 عاما في التعاطي مع مشكلة الكهرباء في لبنان. أكثر من ذلك، إنّ الكهرباء مسؤولة عن نصف الدين العام اللبناني، أي عن إهدار نحو خمسين مليار دولار، في حين كان في الإمكان تحويل قطاع الكهرباء إلى قطاع مربح للدولة اللبنانية وتوفير كلّ هذه المليارات التي تذهب إلى البواخر التركية التي توفّر قسما من الكهرباء التي يحتاج إليها لبنان.
لا يوجد في لبنان من يريد الإجابة عن الأسئلة الحقيقية من نوع تلك المتعلّقة بمعادلة السلاح الذي يحمي الفساد أو ملفّ الكهرباء… أو انهيار النظام المصرفي، أو تفجير ميناء بيروت. في غياب من يريد تحمّل مسؤولياته، بما في ذلك مسؤولية عرقلة تشكيل حكومة جديدة قادرة على التعاطي مع المجتمع الدولي، لا مفرّ من التساؤل: أي لبنان في نهاية “عهد حزب الله”، أيّ لبنان بعد 31 تشرين الأوّل – أكتوبر 2022؟ لعل الجواب عن مثل هذا السؤال في سؤال آخر: هل سيبقى في لبنان مواطنون لبنانيون من أصحاب الكفاءات والعقول يؤمنون بمستقبل ما لبلدهم… أم أنّ ما لم يتحقّق في العام 1990 سيتحقّق الآن. ما لم يتحقّق وقتذاك من هجرة من البلد، عندما كان ميشال عون في قصر بعبدا، يتحقّق حاليا. في السنة 2020 لم يعد يوجد لبناني إلّا وطموحه مغادرة لبنان!