تقارب طبيعي في منطقة غير طبيعية

تقارب طبيعي في منطقة غير طبيعية

تقارب طبيعي في منطقة غير طبيعية

 العراق اليوم -

تقارب طبيعي في منطقة غير طبيعية

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

ما نشهده بين مصر والسودان هو تقارب طبيعي في منطقة تمر في ظروف غير طبيعية، هناك ظروف فرضت التقارب بينهما في وقت تسعى تركيا إلى لعب دور إقليمي مصطنع يفوق حجمها.

الطبيعي أن تكون العلاقات أكثر من طبيعية بين مصر والسودان بعيدا عن أيّ نوع من التعالي من أحد الجانبين على الآخر أو محاولات الابتزاز التي اعتاد الإخوان المسلمون في السودان ممارستها في التعاطي مع  مصر. جاءت زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان للقاهرة ومحادثاته مع الرئيس عبدالفتّاح السيسي لتنقل العلاقات بين البلدين إلى حيث يجب أن تكون، أي إلى قيام تنسيق بينهما في ظلّ تحديات مشتركة. يظلّ أبرز هذه التحديات مياه النيل وتدفقها في اتجاه البلدين… وسدّ النهضة الذي بنته إثيوبيا في محاولة لفرض أمر واقع على كلّ من مصر والسودان في آن.

في النهاية، إن مصر والسودان بلدان شقيقان فعلا. كان الملك فاروق ملك مصر والسودان في الوقت ذاته وذلك قبل أن يستقلّ السودان لاحقا في ظروف معقدة وتجاذبات مصرية – سودانية، وأخرى سودانية داخلية. جاء الاستقلال السوداني بإشراف بريطاني، مطلع العام 1956 بعد ثلاث سنوات ونصف سنة على الانقلاب العسكري الذي أطاح بالملك فاروق صيف العام 1952.

يعتبر ما نشهده حاليا، بين مصر والسودان، بمثابة تقارب طبيعي بين حليفين طبيعيين في منطقة تمرّ في ظروف غير طبيعية. هناك ظروف فرضت التقارب المصري – السوداني في وقت تسعى تركيا إلى لعب دور إقليمي مصطنع يفوق حجمها بكثير. فرض الدور التركي، على سبيل المثال وليس الحصر، اجتماعا عقد أخيرا على مستوى وزراء الخارجية بين إسرائيل واليونان وقبرص لمواجهة تحديات جديدة لم تكن اليونان وقبرص تتحسبان لها. إنّها تحديات مرتبطة إلى حد كبير بطموحات تركيا في البحر المتوسط من جهة ورغبة إيران في لعب دور على الصعيد الإقليمي من منطلق أنّها موجودة في لبنان وسوريا أيضا من جهة أخرى. صارت إيران أيضا دولة متوسّطية، غصبا عن الطبيعة والمنطق. صارت تمتلك طموحات خاصة بها. لذلك، تطرّق الاجتماع الإسرائيلي – اليوناني – القبرصي إلى نشاطات “حزب الله” اللبناني الذي ليس في واقع الحال سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. وهذا يحدث للمرّة الأولى في تاريخ العلاقة بين الدول الثلاث، التي لم يكن هناك تقارب أو تنسيق كبيران بينها.

لم تكن السنوات الممتدة بين 1989 و2019، عندما كان عمر حسن البشير في السلطة سوى حالة خارجة عن الطبيعة صنعها البشير بمشاركة حسن الترابي في البداية ثم استمرّ بها الرئيس السوداني المخلوع وحده بعدما تخلّص من الزعيم الفعلي للإخوان المسلمين في السودان. حاول الترابي مباشرة بعد الانقلاب الذي نفذه البشير في حزيران – يونيو 1989 أن يتحوّل إلى لاعب إقليمي من منطلق أنّه يعرف المنطقة جيّدا، خصوصا منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. اضطر البشير إلى كبح الترابي ووقفه عند حدّه بعدما عرف أن مستقبل نظامه يعتمد على حصر همومه بالسودان… حتّى لو كلفه ذلك التخلي عن سياسات الابتزاز التي جعلته يستضيف الإرهابي المعروف “كارلوس” قبل تسليمه إلى فرنسا في العام 1994 ثمّ الإرهابي أسامة بن لادن الذي ما لبث أن أبعده إلى أفغانستان في العام 1996. في مرحلة معيّنة، اضطر البشير إلى الاعتراف بانفصال جنوب السودان وتحوله إلى دولة مستقلة من أجل ضمان البقاء في السلطة. من أجل السلطة كان كلّ شيء يهون بالنسبة إلى البشير.

لدى مصر في الوقت الراهن تحديات كثيرة. السودان يحمي ظهرها. هناك تحدّي الوجود التركي في ليبيا وهناك تحدّي سد النهضة الإثيوبي الذي يجعل التقارب المصري – السوداني حتميا. كان مفترضا أن يكون التقارب المصري – السوداني – الإثيوبي أكثر من منطقي، خصوصا أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تصرّف منذ وصوله إلى السلطة في العام 2018 بطريقة حضارية تختلف كلّيا عن الزعماء الذين حكموا إثيوبيا بعد إطاحة النظام الإمبراطوري فيها في العام 1974. تخلّى آبي أحمد عن العنف الذي ميّز تصرّفات أسلافه الذين أصرّوا على قتل الإمبراطور هيلاسيلاسي بعد قلب نظامه، على الرغم من أنّه كان في الواحدة والثمانين من العمر!

كان مستغربا تصرّف آبي أحمد بالطريقة التي تصرّف بها في ما يخص سد النهضة، هو الذي حصل على جائزة نوبل للسلام في العام 2019. كان متوقعا، بعد إزاحة نظام البشير في السودان حصول تقارب وعلاقات طبيعية بين كلّ دول حوض النيل، في مقدّمها إثيوبيا والسودان ومصر. كان مفترضا فتح صفحة جديدة بين دول المنطقة وأن تأخذ إثيوبيا في الاعتبار مدى اعتماد مصر أوّلا والسودان ثانيا على النيل. من دون النيل لا وجود لمصر. إنّه شريان الحياة بالنسبة إليها. باختصار، إنّ المسألة مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى مصر.

هل يؤدي التقارب المصري – السوداني إلى عودة رئيس الوزراء الإثيوبي إلى المنطق والتعقّل. الأكيد أن ذلك وارد، خصوصا بعد دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خط إفهام آبي أحمد معنى أن مصر ليست في صدد تمرير قضيّة سد النهضة ببساطة.

يأتي التقارب المصري – السوداني وزيارة عبدالفتاح البرهان للقاهرة بعد أيّام قليلة من الاتفاق السوداني – الإسرائيلي في شأن إقامة علاقات طبيعية بين البلدين. سيؤدي هذا الاتفاق إلى تغيير في قواعد اللعبة في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي التي هي موضع اهتمام إسرائيلي شديد. لكنّ السؤال الذي سيظلّ يطرح نفسه بإلحاح كيف ستستفيد مصر من تخلّص السودان من نظام الإخوان المسلمين الذي كان يتآمر عليها باستمرار والذي كان يعتبر أن في استطاعته أن يحدث تغييرا في القاهرة. ليس سرّا أن النظام السوداني لعب دورا في محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا في العام 1995. ليس سرّا أن تركيا حاولت إيجاد موطئ قدم لها في السودان. كذلك ليس سرّا أن إيران كانت، في عهد البشير، تهرب أسلحة إلى “حماس” في قطاع غزّة عن طريق السودان.

مرّة أخرى، إن التقارب المصري – السوداني أكثر من طبيعي في منطقة كلّ ما يجري فيها غير طبيعي.

سيريح التقارب مصر كثيرا وسيمكنها من لعب دور أكثر فعالية على الصعيد الإقليمي حيث يسعى شخص غير متوازن اسمه رجب طيب أردوغان إلى إثارة كلّ أنواع المشاكل والأزمات ليس في البحر المتوسط فحسب، بل في دول مثل اليمن والصومال أيضا!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تقارب طبيعي في منطقة غير طبيعية تقارب طبيعي في منطقة غير طبيعية



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:54 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

تعرف على "أهل الدثور" وأسباب دخول الجنة

GMT 10:07 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

Incredible Things عطر ساحر من نفحات الأخشاب الطبيعية

GMT 18:46 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

صلاح يفك عقدة لازمته منذ 2014 في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 21:25 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"كلام ستات" يناقش مبادرة "بدّلها بفضة" لتسهيل الزواج

GMT 02:06 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفخم الفنادق في مدينة هونغ كونغ الصينية

GMT 04:13 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

"ديكورات" مشرقة في شقّة جون بون جوفي الـ"دوبلكس"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أبوالفتوح تكشف فوائد تناول الردة خلال الوجبات

GMT 03:36 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تناول المكسرات يساعد على استقرار مستويات السكر

GMT 01:21 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

شاكيرا تستعد لإحياء حفلة غنائية في إسرائيل

GMT 22:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سائق حافلة ركاب في إسبانيا يرفض صعود منقبة للحافلة

GMT 00:14 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الجمعة

GMT 05:14 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعاون "فوكس" و" ديزني" يكشف عن تقاعد "مردوخ" أم خطة جديدة

GMT 12:17 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح استئصال ورم من بطن سيدة في جازان وزنه 5 كيلو جرام

GMT 07:35 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

سلام العمري تبدع في صناعة الشموع بطرق مختلفة جذابة

GMT 01:46 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شيماء مرسي تؤكّد أنّ مواقع التواصل الاجتماعي يحكمها الإتيكيت

GMT 06:17 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

طرح عطر "فانيلا نواغ" الساحر للمرأة التي تعشق الإثارة

GMT 07:35 2016 الأربعاء ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

كيارا فيراغني من مدونة في عالم افتراضي إلى عارضة أزياء شهيرة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq