إذا وضعنا جانبا مستقبل العلاقات الأميركية – الأوروبية وكيف سيتعامل بايدن مع روسيا والصين سيكون مهما للعرب عموما وأهل الخليج على وجه الخصوص معرفة كيف سيتصرف الرئيس الجديد مع إيران.
حتّى وباء كورونا (كوفيد – 19) تآمر على دونالد ترامب. للمرّة الأولى منذ اجتاح الوباء، الذي انطلق من الصين، العالم وغير فيه كلّ ما يمكن تغييره فيه بدءا بالسفر وانتهاء بطريقة السير في الشارع، هناك أنباء مشجّعة عن إيجاد لقاح فعّال. قد يبصر هذا اللقاح النور قبل نهاية السنة الحالية ولكن بعدما خسر دونالد ترامب معركة الرئاسة الأميركية أمام الديمقراطي جو بايدن.
جاء النبأ السار عن لقاح كوفيد – 19 بعد فوات الأوان بالنسبة إلى ترامب الذي ركّز خصمه في حملته على فشله في العمل من أجل الحدّ من انتشار الوباء الذي راح ضحيته مئات الآلاف من الأميركيين.
في كلّ الأحوال، أظهر الرئيس الأميركي الذي سيخرج من البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني – يناير 2021 أنّه خصم لا يمكن الاستهانة به. تحالفت قوى كثيرة من أجل إسقاطه، بما في ذلك كبريات الصحف مثل “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” ومحطات تلفزيونية مثل “سي. أن.أن”… وحتّى “فوكس نيوز” التي كانت محسوبة عليه.
يظلّ دونالد ترامب ظاهرة يصعب أن تتكرّر في السياسة الأميركية. يؤكّد ذلك أنّه ما زال يرفض التسليم بخسارته الانتخابات. ما زال يقاوم. لكن ما كتب قد كتب وسيكون عليه مغادرة البيت الأبيض الذي سيدخله جو بايدن ونائب الرئيس الجديد كمالا هاريس، وهي من أمّ هندية وأب جامايكي استطاعت أن تكون المدّعي العام في ولاية كاليفورنيا ثم عضوا في مجلس الشيوخ. إنّها أول امرأة تشغل موقع نائب الرئيس وهي معروفة بأنّها ليبيرالية ومدافعة شرسة عن حقوق الأقلّيات والمرأة.
بعد أربع سنوات في البيت الأبيض، صار معروفا، تقريبا، من هو دونالد ترامب الذي عرف كيف التعاطي مع إيران بعدما أحاط نفسه بخبراء في موضوعها وفي تصرفاتها، خصوصا في تاريخها الحديث، وذلك منذ احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين في طهران لمدّة 444 يوما في مثل هذه الأيّام من العام 1979. استطاع دونالد ترامب أن يكون مختلفا عن كلّ الرؤساء الذين سبقوه، من جيمي كارتر… إلى باراك أوباما. كشف أن إيران ليست سوى نمر من ورق وأن العقوبات الاقتصادية تؤثر فيها وتشلّ اقتصادها. أكثر من ذلك، كشف أن ليس في استطاعتها الردّ على تصفية شخص أساسي في النظام مثل قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”. لم يكن سليماني، الذي قتله الأميركيون في الثالث من كانون الثاني – يناير الماضي، شخصا عاديا بالنسبة إلى النظام الإيراني. كان مسؤولا عن ملفّات في غاية الأهمّية بدءا بالعراق وسوريا ولبنان وانتهاء باليمن. الأكيد أنّه كان مسؤولا عن ملفات أخرى من بينها أفغانستان. ما هو أكيد أكثر أنّه كان أحد أعمدة النظام الإيراني وأحد أعمدة المشروع التوسّعي لـ”الجمهورية الإسلامية”.
سيكون عهد جو بايدن، أقلّه في بدايته، عهد الأسئلة التي لا تنتهي. أسئلة تبدأ بإيران وصولا إلى الصين، مرورا بكلّ تأكيد بالعلاقة بتركيا، ورجب طيّب أردوغان بالذات، وحركة الإخوان المسلمين ودولة مثل روسيا يبدو واضحا أن رئيسها فلاديمير بوتين كان يرتاح إلى دونالد ترامب لأسباب قد تتكشف في يوم من الأيّام.
الأكيد أن أوروبا تنفّست الصعداء، خصوصا أن ترامب عمل كلّ شيء من أجل الابتعاد عنها وعن حلف شمال الأطلسي الذي لم يكن يرى فائدة منه. سيعمل بايدن من دون شكّ على إعادة مدّ الجسور مع أوروبا حيث يظلّ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الخاسر الأكبر من خلافته لدونالد ترامب. فجونسون من الذين دعوا إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكان رهانه الأوّل على التعويض عن هذا الخروج عبر إعادة العلاقة المميزة بين لندن وواشنطن.
إذا وضعنا جانبا مستقبل العلاقات الأميركية – الأوروبية وكيف سيتعامل بايدن مع روسيا والصين، سيكون مهمّا للعرب عموما وأهل الخليج، على وجه الخصوص، معرفة كيف سيتصرّف مع إيران.
من الواضح، أنّ مسألة إعادة الحياة إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني للعام 2015 الذي اعتبرته إدارة أوباما هدفا بحدّ ذاته، لن يكون أوتوماتيكيا. مزق دونالد ترامب الاتفاق في العام 2018. حتّى لو شاء خليفته في البيت الأبيض العودة عليه، سيترافق ذلك مع شروط أخرى من بينها تلك المتعلّقة بالسياسة الإيرانية في المنطقة وصواريخها الباليستية التي تقلق كثيرين في الشرق الأوسط والخليج. تقلق العرب وتقلق إسرائيل التي سيبقى لديها نفوذ قويّ في واشنطن لأسباب كثيرة. من بين هذه الأسباب أن السياسة الأميركية تجاه إيران تحظى بدعم قويّ في الكونغرس. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ جو بايدن نفسه لا يعتبر معاديا لإسرائيل كما أنّه متعاطف مع مخاوفها من إيران.
لعلّ القضيّة الأهمّ التي ستفرض نفسها على بايدن وإدارته هي العلاقة الجديدة المتطورة بين إيران والصين. ليس سرّا أن إيران التي وجدت نفسها تواجه انهيارا اقتصاديا، توجهت إلى الصين. هناك علاقات قديمة بين بكين وطهران. لكنّ هذه العلاقات أخذت بعدا جديدا بعد سلسلة الاتفاقات التي وقعها البلدان حديثا. في الرابع والعشرين من حزيران – يونيو الماضي، وقع الجانبان “اتفاقا استراتيجيا شاملا” لمدة 25 عاما من أجل تعاون مشترك في حقول مختلفة مثل الطاقة والسلاح والتكنولوجيا والتبادل التجاري. بالنسبة إلى كثيرين، استسلمت إيران أمام الصين التي تحتاج إلى النفط والغاز الإيرانيين. فضلت إيران الاستسلام أمام الصين بدل الاستسلام أمام الولايات المتحدة!
ستظهر بوادر التوجهات السياسية الأميركية الجديدة في غضون شهر أو شهرين بعدما يشكّل جو بايدن فريق عمله. سيتبيّن إلى أي حدّ سيكون باراك أوباما الذي ساعده كثيرا في الانتصار على ترامب موجودا في الإدارة الجديدة عبر أشخاص معيّنين يرون الإرهاب “السنّي” فقط ويتجاهلون الميليشيات التابعة لإيران والمنتشرة في كلّ أنحاء المنطقة، خصوصا في العراق وسوريا ولبنان واليمن. لكنّ الثابت أنّ تغيرا كبيرا سيحصل في واشنطن، خصوصا لجهة طريقة التعاطي مع قضايا كبيرة مثل العلاقة بالصين وعودة المياه إلى مجاريها مع أوروبا والتعاون في مجالات محدّدة مثل التغييرات المناخية وحقوق الإنسان. من الطبيعي أن تكون إدارة جو بايدن أقلّ عجرفة في التعاطي مع القضيّة الفلسطينية، خصوصا إذا وجدت قيادة فلسطينية تمتلك ما يكفي لفهم أن العالم لم يعد يدور حول فلسطين وأن هناك دولا في المنطقة بات مصيرها في مهبّ الريح بدءا بالعراق الذي تسبب الاجتياح الأميركي له بزلزال ما زالت آثاره تتفاعل في المنطقة كلّها منذ العام 2003!