في عهدة الوباء والاضطراب معاً

في عهدة الوباء والاضطراب معاً

في عهدة الوباء والاضطراب معاً

 العراق اليوم -

في عهدة الوباء والاضطراب معاً

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

لا يحقُّ للإنسان أنْ يغرقَ في اليأس لأنَّ وباءً داهمَ العالم وتأخرت المختبرات في العثور على عقار قاتل للقاتل الوافد. سبق للعالم أن مرَّ بتجارب أكثر إيلاماً أنجبت أعداداً مضاعفة من الضحايا. ومن التسرع الحديث عن هزيمة لحقت بالتقدم العلمي ذلك أنَّ العالم سيواجه دائماً مشكلات جديدة لم يسبق له أنْ حلَّ مثلَها وأوبئة جديدة لم يسبق له أنْ كافحَ مثلَها وكشف أسرارَها.

لا يمكن مواصلة العيش من دون امتلاك الحد الضروري من قدرة الصمود في وجه المفاجآت. عدد ضحايا «كوفيد - 19» لا يزال يقلّ بكثير عن عدد الذين سقطوا في حروب عالمية تسببت فيها السياسات المتهورة وسباقات المصالح المحمومة. وفي مواجهة التأخر في الرد على التحدي الجديد يجدر بنا أن نتذكر أنَّ العلم نجح مرات عدة في الرد على التحديات وأنقذ ملايين الأرواح من الهلاك المحقق. لا يمكن التسرع في طرح علامات استفهام حول قدرات العلم لجهة العثور على الإجابات المطلوبة. ولا يمكن الانطلاق من انتشار وباء لخفض الرهان على التقدم الإنساني بمجمله.
لا يمكن في الواقع التقليل من حجم الخسائر التي تسبب فيها انقضاض «كورونا» على العالم. عدد العاطلين عن العمل بسبب الوباء يسجل ارتفاعاً متواصلاً، خصوصاً وسط الحديث عن أنَّ الوباء لن يغادرنا قريباً. الخسائر الاقتصادية مخيفة وبأرقام غير مسبوقة. تكفي الإشارة هنا إلى خسارة قد تتضح آثارها في السنوات المقبلة وهي تلك التي تتعلق باضطراب التعليم على مستوى العالم والأضرار الكارثية، خصوصاً في تلك البلاد التي لا تمتلك بنية تتيح لها مسألة التعلم عن بُعد. هذا الفيض من الخسائر على مستويات عدة ينذر بأن يكون الشرارة لاضطرابات واسعة إذا عجز العالم عن تنظيم خطة نهوض جدية. ما يثير القلق هو أنَّ حجم الخسائر قد يدفع البلدان التي كانت معروفة بسخائها إلى ضبط مساعداتها للآخرين، نظراً لما تكبدته اقتصاداتها بفعل الإغلاق واضطراب دورة العمل.
وجه آخر للأزمة التي تؤرق العالم. ضرب الوباء هالات الأقوياء. لم تستطع الصين التي انطلق منها أن تعتقله في مهده. دفعت هذه القوة الهائلة ثمن ظهور هذا القاتل على أراضيها. لولا الإجراءات الصارمة التي تتيحها طبيعة النظام لتعطل «مصنع العالم» فترة أطول مع كل ما يعنيه ذلك لسلاسل التوريد والاستيراد وتوافر السلع في عالم متداخل اليوميات والمصائر.
ضرب «كورونا» هالات القوى العظمى. الارتفاع المذهل في عدد الوفيات والإصابات في أميركا ترك شعوراً بالمرارة والخيبة. إنَّنا نتحدث عن أكبر قوة في الأرض. عن الدولة التي تمتلك أحدث المختبرات وأرقى الجامعات. أظهر الوباء أنَّ ثمة معاركَ لا يمكن حسمها سريعاً حتى ولو كان اسم الراغب في الحسم الولايات المتحدة. هزَّ الوباء القوة العظمى الوحيدة وأربكَ يومياتها وربما حساباتها الانتخابية مع دخولها في الأسابيع الحاسمة ومن دون لقاح في الأسواق. يمكن القول أيضاً إنَّ الوباء نال من هالة روسيا التي ما انفكت تذكّر العالم بقدرتها على إنتاج صواريخ أسرع من الصوت لا تخطئ أهدافها.
فظاعة الوباء لم تؤثر على الاضطرابات والنزاعات التي كانت سابقة لإطلالته. يمكن القول إنه أسهم في تصعيد بعض الخلافات وكشف النيات المضمرة كما هي الحال بالنسبة إلى العلاقات الأميركية - الصينية. لم يتغير مناخ البيت الدولي رغم الصدمة التي أحدثها «كورونا». خير دليل ما تعيشه حالياً منطقة شرق المتوسط بفعل التسابق على الثروات الذي فجره إصرار إردوغان على فرض أمر واقع جديد في هذه المنطقة. لكن الدليل الأوضح يأتي من الأزمة الجديدة التي تلوح في الأفق بين أوروبا وروسيا بفعل تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني.
والقصة بسيطة. أليكسي نافالني مدوّنٌ وكاتبٌ وناشطٌ سياسي روسي معروف، لا يخفي معارضته للسيد الرئيس، ويغتنم أي فرصة للتنديد بما يعتبره فساد العهد الحالي وأجهزته. لم يتردد في وصف حزب فلاديمير بوتين بأنه «حزبُ محتالين ولصوص يمصُّون دم روسيا». ورغم التهديدات ومحاولات توظيف القضاء لتركيب ملفات تدينه قرر السير في معارضته حتى النهاية. صعد نافالني إلى الطائرة في تومسك في سيبيريا وكان يأمل الوصول إلى موسكو. لكنه أصيب خلال الرحلة بإعياء وغاب عن الوعي، فاضطرت الطائرة إلى الهبوط في مدينة أخرى، حيث أدخل المستشفى. وبعد ثلاثة أيام وافقت السلطات على طلب زوجته بنقله إلى ألمانيا لتلقي العلاج.
قبل مغادرته نفى الأطباء في روسيا العثور على أي آثار تسمم في جسم الرجل الممدد في غرفة العناية الفائقة. لكن الضربة المدوية جاءت من ألمانيا وعلى لسان المستشارة شخصياً. قالت ميركل إنَّ نافالني كان ضحية محاولة قتل. وبعدما اعتبرت أن «أحدهم حاول إسكاته» تحدثت عن «أسئلة جادة وحدها الحكومة الروسية قادرة على الإجابة عنها ومطالبة بذلك».
وأظهرت التحقيقات الألمانية أنَّ نافالني الذي تناول فقط كوباً من الشاي في المطار قبل الرحلة تعرض للتسميم بمادة «نوفيتشوك» التي تردد اسمها في 2018 لدى اتهام موسكو بتسميم جاسوس سابق وابنته في مدينة سالزبري البريطانية. والطريف أن «نوفيتشوك» تعني بالروسية «القادم الجديد» وهي مواد كيميائية طورها الاتحاد السوفياتي لتفوق درجة تسميمها الأسلحة الكيميائية الأخرى.
لم يتعلم الأقوياء الدرس الذي كان يفترض تعلمه من وباء «كورونا» وهو ضرورة تجميد النزاعات لمواجهة كارثة الخسائر البشرية والاقتصادية. لهذا يعيش البيت الدولي حالياً في ظل الوباء والاضطراب معاً وهو أمر باهظ التكاليف.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في عهدة الوباء والاضطراب معاً في عهدة الوباء والاضطراب معاً



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:54 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

تعرف على "أهل الدثور" وأسباب دخول الجنة

GMT 10:07 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

Incredible Things عطر ساحر من نفحات الأخشاب الطبيعية

GMT 18:46 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

صلاح يفك عقدة لازمته منذ 2014 في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 21:25 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"كلام ستات" يناقش مبادرة "بدّلها بفضة" لتسهيل الزواج

GMT 02:06 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفخم الفنادق في مدينة هونغ كونغ الصينية

GMT 04:13 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

"ديكورات" مشرقة في شقّة جون بون جوفي الـ"دوبلكس"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أبوالفتوح تكشف فوائد تناول الردة خلال الوجبات

GMT 03:36 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تناول المكسرات يساعد على استقرار مستويات السكر

GMT 01:21 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

شاكيرا تستعد لإحياء حفلة غنائية في إسرائيل

GMT 22:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سائق حافلة ركاب في إسبانيا يرفض صعود منقبة للحافلة

GMT 00:14 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الجمعة

GMT 05:14 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعاون "فوكس" و" ديزني" يكشف عن تقاعد "مردوخ" أم خطة جديدة

GMT 12:17 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح استئصال ورم من بطن سيدة في جازان وزنه 5 كيلو جرام

GMT 07:35 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

سلام العمري تبدع في صناعة الشموع بطرق مختلفة جذابة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq