قبطان القدرة الهائلة

قبطان القدرة الهائلة

قبطان القدرة الهائلة

 العراق اليوم -

قبطان القدرة الهائلة

غسان شربل
بقلم : غسان شربل

أميركا قدرة هائلة. إذا انخرطت في يوميات العالم شكا من يدها الثقيلة. شكا أيضا من صعوبة في فهم سياساتها، خصوصاً حين تغرف من قاموس بعيد. ويمكن أن يتذمر من إفراط واشنطن في مراجعة حساباتها وسياساتها تبعاً لتغير اسم سيد البيت الأبيض وهويته الحزبية وقناعاته الشخصية. والعالم الذي يتذمر من الخيوط الأميركية العابرة للبحار والخرائط سرعان ما يتذمر حين تدير أميركا ظهرها وتلمّح إلى أنها ستسدل الستائر وتكتفي بعالمها. هكذا هي أميركا. منقذة هنا وعبء هناك. مشكلة إذا أسرفت في الحضور ومشكلة إذا بالغت في الغياب. وعلى الرغم من هذه الرقصة الطويلة بين الميل الكامل إلى الانخراط والميل الموروث إلى قدر من العزلة فرضت الوقائع نفسها فإن أميركا تحتاج العالم والعالم يحتاج أميركا.
كنا صغاراً وكانت الشاشات وسيلة اتصال بالعالم. وكانت الأفلام تسرق المشاهدين إلى مواضيعها الحماسية وتروّج لصور وأفكار. اندلعت الحرب العالمية الأولى وكانت الولايات المتحدة خارجها. كان جيشها متواضعاً ولم يكن لآلتها الحربية أنياب تخيف. لم تقدر الإمبراطورية الألمانية عواقب التحرش بتلك البلاد الغنية. بالغت الغواصات الألمانية في الاعتداءات. ولم تكن لأميركا مصلحة في رؤية أوروبا لقمة سائغة في قبضة الألمان. وفي أبريل (نيسان) 1917 دخلت أميركا الحرب ضد ألمانيا. لم تكذب الأفلام. فقد أكدت الكتب لاحقاً أن أميركا غيرت بتدخلها مسار الحرب وتحولت في زمن قياسي قوة هائلة صاحبة الكلمة الأولى في شؤون العالم.
ليست المرة الوحيدة التي يستنتج فيها المراهق أن أميركا قوة هائلة. الشاشات نفسها حكت قصة الخطيئة القاتلة التي ارتكبتها الطائرات اليابانية حين وجهت في 7 ديسمبر (كانون الأول) 1941 ضربة مدوية إلى قطعات الأسطول الأميركي في المحيط الهادي. وهكذا سنرى أميركا التي خرجت مجروحة من هجوم «بيرل هاربر» تنخرط في الحرب وتنقذ أوروبا من الوحش النازي وتغير مصير العالم. وعلى الرغم من الفوارق في المراحل سيتكرر المشهد بعد عقود حين تخرج أميركا مجروحة من هجمات 11 سبتمبر 2001 لتقوم بحملة تأديب عالمية ضد الإرهاب أدت أيضاً إلى إطاحة نظام «طالبان» في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق.
جاءتنا صور القوة الأميركية من الشاشات والكتب. صور كينيدي يفرض الحصار على كوبا لإرغام السوفيات على سحب صواريخهم من جزيرة كاسترو. وصور الجيش الأميركي منخرطاً في الحرب الكورية يواجه سيل المتطوعين الصينيين. وصور الجيش الأميركي يغادر سايغون على عجل مصطحباً معه العلم الأميركي، ومعترفاً بانتصار فيتنام وحلفائها.
القوة الأميركية الهائلة. يتذمر العالم إن قررت واشنطن ممارسة دور الشرطي لرسم ملامح العالم وفقاً لتصوراتها ومصالحها. ويتذمر العالم مرة أخرى حين تقرر أميركا الابتعاد عن الدور الأول وعدم تحمل تكاليفه. الدول الصغيرة نفسها تعترف في سرها أن قرارات مجلس الأمن لا تؤخذ على محمل الجد إلا إذا أجازت استخدام القوة ولوّحت بالعصا الأميركية. هذا لا يعني أن أميركا محقة دائماً. إنه يعني قدرتها على الأدوار الحاسمة بسبب تعدد عناصر قوتها. الاقتصاد الأول في العالم. الترسانة العسكرية الأولى. جامعات متفوقة ومختبرات خلاقة وثورة تكنولوجية مفتوحة. حيوية غير عادية في المراجعة والتطوير والتصحيح والتنقيح.
في عالم المعسكرين كان باستطاعة الدول المنضوية تحت المظلة السوفياتية أن تتجاهل ما يدور في أميركا. قضية من هذا الحجم هي أصلاً من مسؤولية موسكو. وكان باستطاعة دول ذات موقع استراتيجي أن تتقاضى ثمن انتقالها إلى حضن الكرملين. لكن الاتحاد السوفياتي الذي وفّر للدول الحليفة ما يستطيع تقديمه لم ينجح أبداً في التحول لقدرة هائلة موازية للقدرة الأميركية أو قريبة منها رغم ثرواته. والأسباب كثيرة تتعلق بنظامه ومدى تطوره التكنولوجي وجمود آلته ومجتمعه. جاذبية تلك القدرة الهائلة وضغوطها والفجوة التكنولوجية المتزايدة دفعت الاتحاد السوفياتي إلى التاريخ وأعلنت ولادة القوة العظمى الوحيدة.
لم يدم مشهد القوة العظمى الوحيدة طويلاً. دور شرطي العالم شديد التعقيد وباهظ. تسقط الإمبراطوريات بفعل نزف جنودها أو نزف خزينتها. القيادة بلا شركاء تعني الاضطلاع بأعباء رهيبة على امتداد القرية الكونية. الناخب الأميركي لا يريد دفع ثمن هذا الدور الذي يشبه الأفلام. لا يريد إضاعة الدم على أرض العراق ولا إضاعة تريليونات الدولارات في أوهام زراعة الديمقراطية في العالم. وفي المقابل رمم فلاديمير بوتين قدرات روسيا العسكرية والدبلوماسية ووطد معالم نظام يقدم مصلحة الاستقرار والاستمرار على مبادئ الديمقراطية. لكن التغيير الكبير جاء من الصين التي استحقت لقب «مصنع العالم» ودفعت المحللين إلى التحذير جدياً من اقتراب «العصر الصيني».
قبل شيوع «الفيروس الصيني» كان الهم الصيني قد تقدم الملفات الأخرى في مكاتب المؤسسات الأميركية. الصين عالم آخر. ونموذج آخر. وحارسة اندفاعها في العولمة قدرة هائلة اسمها الحزب الشيوعي الصيني الذي يتمسك بمبدأ الرواية الوحيدة والحقيقة الرسمية والوحيدة. ولهذا ساد الانطباع أن أميركا ستنشغل بالهم الصيني عن العالم بأسره.
أعادت تغريدات دونالد ترمب طرح الأسئلة عن القدرة الأميركية. وعن رسم ملامح العالم أو الاستقالة منه. وعن الإصرار على القيادة ورفض دفع الثمن. وعن الانخراط وشهوة التخفف والانعزال. ساهمت قرارات ترمب في الانسحاب من معاهدات واتفاقات متعددة الأطراف ومؤسسات دولية في تعميق التساؤلات عن حجم التغيير في أميركا وحجم التغيير اللاحق في العالم. لهذا وفي موازاة انتظاره لقاح «كورونا» ينتظر العالم الانتخابات الأميركية بعد أيام. يريد أن يعرف اسم القبطان الذي سيدير هذه القدرة الهائلة التي تسمى أميركا وعلاقاتها بالصين وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط و«الأحلام الإمبراطورية». القدرة التي أسقطت جدار برلين قبل 3 عقود والتي تهدد بإسقاط جدار الشرق الأوسط عبر اتفاقات السلام المتسارعة. فعبر اتفاقات التطبيع بين الإمارات والبحرين والسودان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى تذكّر أهل المنطقة أن اسم سيد البيت الأبيض يعنيهم. جو بايدن شيء ودونالد ترمب شيء آخر وإن كانت الكلمة الأخيرة دائماً لقبطان اسمه المصالح الأميركية.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قبطان القدرة الهائلة قبطان القدرة الهائلة



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:54 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

تعرف على "أهل الدثور" وأسباب دخول الجنة

GMT 10:07 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

Incredible Things عطر ساحر من نفحات الأخشاب الطبيعية

GMT 18:46 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

صلاح يفك عقدة لازمته منذ 2014 في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 21:25 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"كلام ستات" يناقش مبادرة "بدّلها بفضة" لتسهيل الزواج

GMT 02:06 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفخم الفنادق في مدينة هونغ كونغ الصينية

GMT 04:13 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

"ديكورات" مشرقة في شقّة جون بون جوفي الـ"دوبلكس"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أبوالفتوح تكشف فوائد تناول الردة خلال الوجبات

GMT 03:36 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تناول المكسرات يساعد على استقرار مستويات السكر

GMT 01:21 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

شاكيرا تستعد لإحياء حفلة غنائية في إسرائيل

GMT 22:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سائق حافلة ركاب في إسبانيا يرفض صعود منقبة للحافلة

GMT 00:14 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الجمعة

GMT 05:14 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعاون "فوكس" و" ديزني" يكشف عن تقاعد "مردوخ" أم خطة جديدة

GMT 12:17 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح استئصال ورم من بطن سيدة في جازان وزنه 5 كيلو جرام

GMT 07:35 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

سلام العمري تبدع في صناعة الشموع بطرق مختلفة جذابة

GMT 01:46 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شيماء مرسي تؤكّد أنّ مواقع التواصل الاجتماعي يحكمها الإتيكيت

GMT 06:17 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

طرح عطر "فانيلا نواغ" الساحر للمرأة التي تعشق الإثارة

GMT 07:35 2016 الأربعاء ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

كيارا فيراغني من مدونة في عالم افتراضي إلى عارضة أزياء شهيرة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq