التمرد على الاصطفاف الطائفي في العراق يقلق سليماني

التمرد على الاصطفاف الطائفي في العراق يقلق سليماني

التمرد على الاصطفاف الطائفي في العراق يقلق سليماني

 العراق اليوم -

التمرد على الاصطفاف الطائفي في العراق يقلق سليماني

بقلم - علي الأمين

يخطو العراق في المرحلة المقبلة خطوة إيجابية نحو إعادة الاعتبار لمفهوم المعارضة والموالاة، حيث لن تشهد المرحلة المقبلة كتلا مذهبية، بل ثمة اصطفافات جديدة تؤسس لخيارات وطنية.

خطوة في الطريق الصحيح
مشروع قيام الدولة على الأسس والقواعد الدستورية والقانونية، هو المشروع الذي ينطلق من أساس ثابت هو حصرية حق استخدام العنف من قبل الدولة، هذا التعريف الأولّي والبديهي للدولة هو ما تعرض للانتهاك في الدول التي شكّلت هدفا للنفوذ الإيراني في المنطقة، وهي حقيقة باتت جلية بل فاضحة، بحيث صارت بوابة تعريف منهجية التدخل الإيراني في الدول العربية.

فثنائية الدولة – الدويلة التي تأسست في برامج التغلغل الأيديولوجي الإيراني في الدول العربية، جرى تنفيذها في أكثر من بلد، لتطويع الدولة أو شلها في سبيل المزيد من إحكام السيطرة على مفاصل القرارات ولا سيما تلك السيادية. العراق ولبنان وسوريا واليمن هي أمثلة صارخة على هذا الصعيد، ذلك أن الأيديولوجيا الإيرانية لم تستثمر في الانقسام الداخلي الطائفي أو المذهبي فحسب، بل ساهمت في بناء وتشكيل منظومات أيديولوجية وأمنية عسكرية في تلك الدول تتنافى في طبيعة وجودها مع وحدة المجتمع أو الدولة وسيادتها، وعملت على مأسستها ودفعت نحو تشريعها سياسيا أو دستوريا من دون التخلّي عن سيطرتها والتحكم بها وربطها بالمنظومة الأيديولوجية الإيرانية.

بين لبنان والعراق واليمن وحتى سوريا ثمة ما يثبت هذه الحقيقة، التي شكلت ولا تزال أمثلة على كيفية العمل على مأسسة الانقسام وترسيخه بالأيديولوجيا، ومن خلال الربط المباشر بنظام مصالح مالي عسكري وأمني. ثنائية دويلة حزب الله- الدولة، في لبنان، وثنائية دويلة الحوثيين- الدولة، في اليمن، وفي سوريا رغم العائق الذي مثّله غياب الحاضنة الشيعية للنفوذ الإيراني فقد عملت أدوات النفوذ الإيراني على الاستعانة بميليشيات شيعية من دول عدة لتغطية الفراغ الذي مثله غياب الحاضنة الشعبية، من دون أن تهمل خلال سنوات الأزمة السورية الأخيرة بناء منظومات من السيطرة والنفوذ تستند إلى جماعات سورية وفرت إيران لها الحماية والدعم، وهي في معظم الأحوال تبقى في سوريا عرضة للتفكك والتراجع، لذا يبقى عنصر القوة للنفوذ الإيراني في المجتمع السوري من خارج الأيديولوجيا، بل بمحاولة ترسيخ نظام مصالح مالي اقتصادي وأمني مع النظام من جهة، ومع جماعات قريبة من النظام من جهة ثانية.

في العراق الذي شكّل ساحة مفتوحة لإيران منذ الاحتلال الأميركي له في العام 2003، بدت إيران شديدة الانهماك بالتغلغل في المجتمع العراقي، وفي بناء منظومات للسيطرة والنفوذ المباشر، ومنذ ذلك الحين تحوّلت إلى طرف فاعل ومؤثر في الحياة السياسية والاقتصادية في العراق، وشريك في إدارة العملية السياسية والدستورية لا يمكن تفاديه، لكن إيران التي خاضت حرباً ضروساً مع العراق طيلة ثماني سنوات، عملت منذ الغزو الأميركي للعراق على منع قيام دولة عراقية قوية وموحدة، بل عمدت إلى إدارة أكبر عملية تخريب للدولة من خلال توليد وحماية منظومة الفساد الذي قام بالدرجة الأولى على مقايضة الولاء لإيران بإطلاق اليد في كل منابع الثورة العراقية.

في ظل هذه الصورة يعيش العراق اليوم فرصة استعادة الحيوية السياسية. هذه الحيوية تتأتى من محاولات الخروج على السطوة الإيرانية على العملية السياسية. لقد شكّلت الانتخابات النيابية منطلقا للحديث عن ملامح هذه الحيوية، لعل ما يختصرها أو يفسرها، هو تراجع أو تصدع الاصطفاف المذهبي لدى كل المكوّنات العراقية (السنيّة والشيعيّة والكرديّة) في البرلمان، ذلك أن الكتل البرلمانية وتحالفاتها اليوم لا تقوم اليوم على أساس مذهبي، ولعل الصراع داخل هذه المكوّنات نفسها هو البارز اليوم، ولا سيما داخل المكوّن الشيعي، وهو صراع طبيعي نتيجة الفشل السياسي في إدارة شؤون الدولة، الذي قام على نهج المحاصصة تحت سقف الطائفية، وكانت إيران لها الدور الفاعل في محطات سابقة على الدفع باتجاه تعزيز هذا النهج في الانتخابات البرلمانية السابقة ولا سيما لدى المكوّن الشيعي. اليوم ثمّة ما يشبه الانقلاب على هذا النهج من خلال ما نلاحظه من خروج على منطق التحالف بين الكتل على أساس طائفي، فتسمية رئيس الوزراء العراقي اليوم على سبيل المثال لم تعُد قائمة على تجميع الكتل الشيعيّة وفرض اختيار الرئيس انطلاقا من هذا الاصطفاف الذي طالما كان للدور الإيراني الأثر الأول فيه، وبالتالي التحكّم بالمسارات السياسية التي تنتج عن هذا الاختيار.

من المبكّر الحديث عن تغيير حقيقي في العراق، فإيران التي تمتلك قوة نفوذ متغلغلة في مفاصل الدولة والمجتمع، لا تزال قادرة على التحكم والسيطرة على العديد من النخب السياسية والدينية في هذا البلد، لكن ثمّة مؤشرات واضحة أن هذه القدرة تتراجع أمام بروز ملامح لوطنية عراقية ليست معادية لإيران لكن مستقلة عنها، ولعل ما قام به رئيس الوزراء حيدر العبادي عبر إقالته لفالح الفياض من مسؤولياته في الحشد الشعبي ومن موقعه كمستشار أمني يكشف عن قدرة أو خيار لم يكن قائما في تحدّي النفوذ الإيراني، لا سيما أن إقالة الفياض استدعت ردا علنيا من وزارة الخارجية الإيرانية عبّرت فيه عن استيائها من هذا القرار، وفي موازاة هذا القرار الذي برره رئيس الحكومة باعتباره إجراء قام به بسبب تدخل الفياض في الشؤون السياسية، كان تحويل أحد القضاة الدستوريين إلى التحقيق بسبب لقائه بقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، الذي كان يبحث عن إيجاد مخرج دستوري يتصل بتسمية الكتلة الأكبر في البرلمان. ولعل الانزعاج الإيراني من هذا السلوك، هو ما دفع إلى إعلان ترشيح فالح الفياض لرئاسة الحكومة.

وكما يبذل سليماني جهودا على صعيد القوى السياسية لضمان وصول رئيس حكومة موال لإيران، فإنّ جهدا موازيا يتم من خلال الضغط على المرجعية الدينية في العراق من أجل إصدار موقف من المرجع السيد علي السيستاني يُشتمّ منه أو يدعو فيه بشكل صريح إلى عدم تشتت الكتل الشيعية، بل إلى اجتماعها لتسمية رئيس الحكومة، وهو جهد لم يؤدّ إلى النتيجة التي يشتهيها سليماني حتى الآن، والأرجح كما تقول مصادر على اتصال بمحيط المرجعية، أن مرجعية النجف ليست في وارد التورّط في أن تتحمّل مسؤولية اختيار رئيس الحكومة، وهي لن تُستدرجَ للانخراط في عناوين سياسية هي من مسؤولية النواب قبل غيرهم.

بعملية انتخاب رئيس البرلمان ثم رئيس الجمهورية ثم تسمية رئيس الحكومة، أيّا كانت نتيجة الانتخاب أو الاختيار، فإنّ العراق في المرحلة المقبلة يخطو خطوة إيجابية نحو إعادة الاعتبار لمفهوم المعارضة والموالاة، حيث لن تشهد المرحلة المقبلة كتلا مذهبية أو إثنية صافية، بل ثمّة اصطفافات جديدة تؤسس لخيارات سياسية وطنية، يفرضها طابع التحالفات والصراعات السياسية اليوم، فترجمة الخروج على السطوة الإيرانية والخارجية لا يمكن ملاحظته أو ترجمته إلا من خلال كتل سياسية برلمانية فاعلة وعابرة للطوائف والمكوّنات، وهذا ما يحدّ من التحكم الخارجي بها من جهة، ويسمح، من جهة ثانية، بإمكانية تشكيل سلطة ومعارضة في بلد تمّ تشويهه اجتماعيا واقتصاديا ومواطنيا باسم حماية الطوائف، وتصديع الدولة بالثنائيات الإيرانية القاتلة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التمرد على الاصطفاف الطائفي في العراق يقلق سليماني التمرد على الاصطفاف الطائفي في العراق يقلق سليماني



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:54 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

تعرف على "أهل الدثور" وأسباب دخول الجنة

GMT 10:07 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

Incredible Things عطر ساحر من نفحات الأخشاب الطبيعية

GMT 18:46 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

صلاح يفك عقدة لازمته منذ 2014 في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 21:25 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"كلام ستات" يناقش مبادرة "بدّلها بفضة" لتسهيل الزواج

GMT 02:06 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفخم الفنادق في مدينة هونغ كونغ الصينية

GMT 04:13 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

"ديكورات" مشرقة في شقّة جون بون جوفي الـ"دوبلكس"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أبوالفتوح تكشف فوائد تناول الردة خلال الوجبات

GMT 03:36 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تناول المكسرات يساعد على استقرار مستويات السكر

GMT 01:21 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

شاكيرا تستعد لإحياء حفلة غنائية في إسرائيل

GMT 22:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سائق حافلة ركاب في إسبانيا يرفض صعود منقبة للحافلة

GMT 00:14 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الجمعة

GMT 05:14 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعاون "فوكس" و" ديزني" يكشف عن تقاعد "مردوخ" أم خطة جديدة

GMT 12:17 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح استئصال ورم من بطن سيدة في جازان وزنه 5 كيلو جرام

GMT 07:35 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

سلام العمري تبدع في صناعة الشموع بطرق مختلفة جذابة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq