إلى عربات الشاي والقهوة، عشوائية الشكل؛ وعربات تبيع حبّات الذرة المفروطة، الأقلّ عشوائية، ستضاف عربات مقطورة ومرتبة للبطاطا المقلية، بدءاً من تلك العربة مطلع شارع السهل، على طرف موقف سيارات مجاني لبلدية رام الله.
البطاطا هي البطاطا، مقلية، أو مسلوقة أو مطبوخة، لكنها في تلك العربة تباع للزبائن وقوفاً، بتسعة أشكال وأحجام، وأما رقائق البطاطا والذرة، فلها ما لا يحصى من ماركات وأشكال وأحجام، ولها الاسم الثاني للبطاطا (أو الطباطا) المسمّى «تشيبس».
تعرفون أن العالم الجديد أهدانا أربع هدايا: البطاطا، الذرة، البندورة.. وهذه الهدية الوبيلة المسماة تبغ.
ألفرد نوبل اخترع متفجرات (T.N.T)، فاخترعوا أهم جوائز عالمية وسموها باسمه، لكن العمّ الأفريقي الأميركي كان اسمه «تشيبس» لأنه اخترع رقائق البطاط المقلية والمملّحة، لفضّ مشروع قتال مميت بالمسدّسات في الغرب الأميركي.
«الطا با طا» هي البطاطا حسب لثغة صغيري لما كان طفلاً في الحضانة القبرصية، وصار مهندساً بريطاني الجنسية، قد يطلب من المطاعم وجبة صارت أشهر من وجبة الصباح البريطاني المسماة: إنكليش بريكفاست، وتسمى «تشيبس وفيش».. بطاطا وسمك.
مقطورة البطاطا المقلية تجاور أشهر مطاعم الفول والحمّص في شارع السهل، المتخم بمطاعم الشواء، ولا يخلو من مطاعم جميلة للسندويشات الغربية والشاورما الشرقية، ولا عربة فوضوية الشكل تبيع «عَ ـ الماشي» قهوة وشايا متعددة الأصناف حسب طلب ومزاج الزبون الذي «يصحصح» أول نهاره.
لماذا تلك العربة علامة جديدة؟ لأن بلدية رام الله زرعت في مفارق الشوارع عربات حمراء للبيع والتأجير، ثم سحبتها لسببٍ ما، وعلى الأغلب لأنها لم تجد شارياً أو مستأجراً، إلى أن نصبها شاب وفتاة بعد زخرفتها برسوم وعبارات لطيفة ولافتة. ربما لن يمرّ وقت طويل قبل أن تصبح الظاهرة الجديدة «موضة» بعد أن أجازتها ورخّصتها السلطات البلدية.
هل يقتنع الأخوان سابا صاحبا العربة الوحيدة في شارع ركب، التي تبيع الفول النابت والترمس، وعرانيس الذرة المسلوقة أو كاسات الذرة المفروطة بشراء أو استئجار مقطورة ثابتة في مكانها، بدلاً من جرّ العربة يومياً، ومنذ عشرات السنوات، من رام الله التحتا إلى قرنة مقابل مقهى ركب، المعروف بشارع ركب، والمسمى رسمياً الشارع الرئيسي، وفيه العديد من مطاعم البطاطا المقلية والدجاج المقلي المسماة «فرايد تشيكن».
علامة شارع السهل تبقى مقهى «الانشراح» الشعبي، حيث سعر الطلب هو ثلاثة شواكل، وهو من أقدم مقاهي رام الله الشعبية، وصار مقهى المثقفين المفضّل، بعد أن كان مقهاهم هو مقهى رام الله في شارع ركب، وقد يصيرون زبائن عربة البطاطا المقلية المفضّلين.
الرصيف
يمتاز شارع السهل عن شارع ركب بأرصفته العريضة، الملأى بالمقاعد والطاولات، لكنه مثله يصعب ركن السيارة دون دفع مسبق للوقوف إلى جانب رصيف ملوّن حافته بالأبيض والأزرق، أو رصيف مجّاني الوقوف الشرعي ملوّن حافّته بالأحمر والأبيض في غفلة عن شرطة السير المتقاعسة عن ضبط مخالفته .. ولا وجود لرصيف ملوّن حافّته بالأسود والأبيض مجّاني الوقوف.. ونادراً ما تجد السيارات مكاناً في موقفين مجّانيين للبلدية.
شوارع المدينة، الرئيسة منها والفرعية صارت كأنها كراج وقوف كبير للسيارات، أو اختناقات مرورية خاصة في ساعات وأيام الذروة، ودخول المدارس والخروج منها.
أوراق الخريف
ليس في أول الخريف تبدأ أوراق الأشجار النفضية في التساقط كما يحصل في أوروبا، بل تتساقط في أوّل الشتاء والمربعنية، التي جاءت متأخّرة هذا الشتاء، ومن اليوم مع مطر متأخر بعد احتباس وريح مزوبعة سوف تتجرّد من أوراقها، وتدخل في سبات لن تصحو منه قبل تباشير الربيع، بدءاً من نوّارة أشجار اللوز.
وحدها أشجار ثمار الاكسيدنيا، دائمة الخضرة في أوراقها، وتبدأ بالازهرار في الخريف، وتنضج ثمارها مطلع الربيع، يحلو لي أن أقطع عنقوداً مزهراً من شجرة ما، وأستخدمه لتطييب كأس شاي ساخن. الرائحة فوّاحة والنكهة تفوق نكهة الشاي المعطّر بالميرمية أو الزهورات على أنواعها، عدا فوائده التي يُقال إنها مدرّة للبول، ونافعة للكبد والمرارة.. وأنا لا أشكو من علّة في هذا أو في ذاك.
لي مزاج كمزاج زميلي مهند عبد الحميد الذي يجمع أزهار الخريف والشتاء والربيع في مزهرية على طاولة الطعام.
في الشتاء تتساقط أوراق الشجر، وفي الشتاء تتساقط أوراق العمر، أيضاً. العام هو السنة، وهو الحول، أيضاً، لذا يُقال في تعاقب دورة الحياة «حال الحول» في الأشجار وفي الأعمار، أيضاً.