يبدو العنوان ضرباً من التخبيص، لكنني لا أرى هذا. لماذا؟ في العقد الأخير من القرن المنصرم، توصل علم الوراثة إلى فكّ الشيفرة الوراثية، أي الجينوم، وكانت النعجة دوللي بداية التخليق، وفي نهاية العقد الثاني من قرننا هذا تم تخليق لحم صناعي، باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد.
ما علاقة النعجة دوللي بالرئيس الأميركي الـ 45؟ ربما هي عنوان لبداية عصر جديد، أو New Era. أما ما دخل المسرحي والموسيقي اللبناني زياد الرحباني، فإن هذه «الترامبية» كانت أقرب إلى «فيلم أميركي طويل» حيث دخل العالم فيما يشبه «كورس» طويل في النظام السياسي ـ الاقتصادي الأميركي، دام أربع سنوات.
الترامبية هذه أقرب إلى مزيج من الديمقراطية والشعبوية ربما يذكرنا بالفاشية والنازية، وبشكل ما الشيوعية.. وجميعها انقرضت.
للرئيس الديمقراطي السابق، بيل كلينتون قولته الشهيرة في حملته الانتخابية المنتصرة، وهي: «إنه الاقتصاد يا غبي». الرئيس الجمهوري الخاسر، دونالد ترامب حقق، حسب صحيفة «وول ستريت جورنال» «طفرة اقتصادية» غير مسبوقة منذ عقود، بينما ادعى ترامب انه خلال اربع سنوات من رئاسته، خلق 7 ملايين وظيفة جديدة.
هل يمكن التلاعب بعبارة كلينتون، بحيث تصير: «إنها السياسة يا ذكي»، وسياسة الشعبوية الديمقراطية لم تجعل أميركا عظيمة من جديد، فهي لا تتعلق فقط بالقوة الاقتصادية والعسكرية، بل أيضاً بالشعبية العالمية والأميركية لرئيسها.
كانت الانتخابات الأميركية مقياساً لشعبية الترامبية في بلاده، وكانت أزمة الديمقراطية مع الشعبوية مقياساً لشعبية ترامب في العالم، وبالذات في ديمقراطيات أوروبا الغربية، وهي الأقدم والأكثر رسوخاً في تقاليدها من الديمقراطية الأميركية منذ ما قبل الانتخابات، وخلالها، وبعدها، والرئيس ترامب يتوجس وحتى يحذر من «تزوير» الانتخابات، وانتهى هذا إلى ما حصل من أنصاره في هجومهم على قدس أقداس الديمقراطية الأميركية في مبنى الكابيتول، بعد تحريض مباشر من الرئيس.
عشية آخر يوم في رئاسة ترامب، صرح زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ بمسؤولية الرئيس مباشرة عما جرى في مبنى الكابيتول، لكن وزير خارجيته مايك بومبيو اعترف بانتصار الديمقراطية على الشعبوية، بعبارة تبدو غريبة، بعد ما حصل في الكونغرس يعدّ برهاناً على أن الولايات المتحدة «ليست جمهورية موز».
أميركا في العالم المعاصر هي كما كانت الإمبراطورية الرومانية في العالم القديم، فكيف انتهت الإمبريالية الأميركية إلى حافة «جمهورية موز»، لولا حزم نانسي بيلوسي في دفاعها عن الديمقراطية، والصحافة ووسائل الإعلام الأميركية الكبرى، وحرص قيادة الجيش الأميركي على الولاء للدستور أولاً قبل الولاء للقائد الأعلى.
هذه أزمة سياسية ـ ديمقراطية ـ أيديولوجية اجتازتها بنجاح الديمقراطية الأميركية، كما اجتازت أزمة الركود الكبير الاقتصادية في ثلاثينيات القرن المنصرم، ببناء سد «غراند كولي» لخلق وظائف بتدخل شبه اشتراكي من رئاسة الرئيس هوفر، و»أزمة مصرف ليمان براذر في العقد الأول من الألفية الثالثة التي اجتازها باراك أوباما».
يحتاج النظام الفيدرالي الأميركي إلى ما يشبه «العقد الجديد» أو «نيو ديل»، وربما تكون البداية هي جعل فترة الرئاسة سبع سنوات وليست أربعا، لأن السنة الأولى هي لإرساء طاقم الإدارة، والسنة الرابعة تبدو فيها الإدارة وكأن رئيسها «بطة عرجاء» مشغول بتجديد ولاية ثانية.. وترامب برهن أنه ليس «بطة عرجاء» حتى آخر يوم.
يتداول الحزبان الحكم، لكن كل رئيس حزب له طاقمه المسمّى «رجال الرئيس» كما في النظام الملكي «حاشية الملك»، وكان الرئيس ترامب مزاجياً بإفراط في تغيير «رجال الرئيس» وغالباً عن طريق إقالة أشبه بالطرد!
كما في الشركات الكبرى الأميركية فإن عقوبة «الطرد» مزاجية، كما نعرف من الأفلام السينمائية الأميركية، وأدار ترامب «رجال الرئيس» وكبار وزراء الحكومة كأنه مدير شركة لا رئيس دولة.
هل هناك حاجة لعلم النفس في تفسير ترامب لإصدار مراسيمه، حيث يضع توقيعه الغريب والمعقّد، كأنه استعارة من أفلام «الفك المفترس» أو كأنها أسنان منشار للتمساح!
حسناً، أن الرئيس ترامب لن يحكم أربع سنوات في ولاية ثانية، سيكون فيها غير محكوم كما في ولايته الأولى، بتجديدها في ولاية ثانية، يتم فيها نسخ الشعبوية ـ الديمقراطية في دول أخرى مثل الهند وروسيا ودول أوروبا الشرقية والبرازيل.
على الرئيس الـ 46 الديمقراطي أن يرسي نظاماً جديداً مستفيداً من سيطرة حزبه على مجلسي الكونغرس، أو «نيو ديل» سياسيا ديمقراطيا جديدا، وهذه ليست مهمة سهلة، وربما لهذا بكى الرئيس جو بايدن قبل حفل التنصيب، وعلى الأغلب أنه لا يتطلع إلى ولاية ثانية، إما بسبب عمره المتقدم، أو لاحتمال تعرضه للاغتيال، وفي الحالتين قد تصبح نائبته كاميلا هاريس السمراء أول رئيسة للولايات المتحدة، بعدما هزم ترامب منافسته هيلاري كلينتون.
فشل ترامب، لكن الترامبية قد تشكل تياراً متطرفاً جديداً في الحزب الجمهوري، أو يتشكل ثلاثة أحزاب في النظام السياسي والرئاسي الأميركي.