فــــوارغ

فــــوارغ

فــــوارغ

 العراق اليوم -

فــــوارغ

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

1 - فوارغ الصورة

في أيديهم الحجارة (غالباً)، وفي أيديهم فوارغ الطلقات (أحياناً). هؤلاء أولاد الانتفاضة وشبابها.
في أيديهم العدة، وغالباً: مباضع ومشارط وملاقط، وفي أيديهم، أحياناً: رؤوس المقذوفات على أنواعها. هؤلاء هم الأطباء. ماذا عن حواشي الصور:
فوق رؤوسهم شهيد جديد. نعشه محفة إسعاف أولي. الشهيد فوق الأكف المرفوعة حتى أقصاها. يتموج حشد المشيعين.. لأنهم يتبادلون رفع النعش. لأن لمسيرة التشييع شيئاً من دوّامات الماء والهواء. لأن الصدور تهتز على إيقاع هتاف الحناجر.
.. ولأن جثة الشهيد (مكشوف الوجه) لا تزال طرية. لأن الشهيد فتى طريّ العود (غالباً).. وانطفأ نور عينيه، ولم يسعف الوقت لإسبال جفني عيني الشهيد.
يأخذك الحشد. يأخذك إيقاع الهتاف تأخذك «زينة الشهيد» من علم يعلو بطانية المستشفى (أو بطانية البيت، وربما كان يتدثّر بها الشهيد.. قبل أن يخلد إلى النوم العادي).. أو يأخذك نومه الأبدي، بعينين نصف مفتوحتين، أو جفنين نصف مغلقتين. تأخذك عيناك إلى الوميض في عيون المشيّعين، ثم تأخذك إلى عيني الشهيد نصف المغلقتين؛ وجفني عينيه نصف المطبقتين.
تهتز الجثة الطرية، للشهيد طريّ العود.. في طريقها إلى القبر الطريّ، دون أن تهتزّ جفنا عينيّ الشهيد. غام لون الحياة عن عينيه، لا كما تغرب شمس الأصيل. مع إيقاع التشييع يهتزّ رأس الشهيد، كأنه يقول هزّة النفي: (كلّا. كلّا)، أو كأنه يقول هزّة القبول: (نعم. نعم).
كل تعابير اللغة تبدو فارغة عن التعبير: نور عيني. إنسان عيني. بؤبؤ العين. حدقة العين. رموش العين. عصبة فوق رأسه (كوفية، أو قماشة خضراء): «لا إله إلا الله، محمّد رسول الله».. أو عَلَمُ البلاد والشعب.
ترفّ الجفون كذا مرّة كل دقيقة. يضرب القلب كذا ضربة كل دقيقة. زفير وشهيق كذا مرة كل دقيقة. لن ترفّ جفونه إلى الأبد. قلبه دقّ على إيقاع الرصاصة.. ثم دقّ دقّته الأخيرة. هل سمع صرخته؟ هل أحسّ بآخر زفراته وذهب إلى نومه الأبدي بعينين نصف مفتوحتين، وجفني عينيه نصف المطبقتين؟ إنه يستودع وقيد عيون مشيّعيه. إنه يشيّعنا عندما نشيّعه. ننسى أن يباس الموت يبدأ بالجفون، كما وسن النعاس يبدأ بالجفون. هذا وسن النوم؛ وذاك وسن الموت. لا وسن مطلقاً لهذا الهتاف: «يا شهيد ارتاح. ارتاح.. احنا نكمّل الكفاح».

2 - فوارغ الكلمات
تكثر الكلمات المشحونة بالشعارات القديمة، بالأحلام المتجدّدة، بالأفكار المسافرة بسرعة انفجار الصوت. لا أحد يتوقف، عندما ينكسر الهدوء، لالتقاط فوارغ الكلمات. في الاشتباكات عن قرب لا يسأل الضابط جنوده عن أمشاط الرصاص. وفي الكلمات المرافقة للاشتباكات، لا أحد يسأل أصحاب الهتافات العالية المشحونة بالشعار، بالحلم، بالفكرة.
مسموح بزلّات اللسان كلها وقت الغضب. مسموح بحركات الأيدي كلها وقت الانفعال. مسموح بكل أنواع التعابير على الوجه الإنساني (الإنسان ملك التعبير، أيضاً).
.. وعندما يأتي الهدوء، يواصل البعض إطلاق الكلمات المشحونة.. ببارود لم يشاركوا بإطلاقه.. بارود رطب.

3 - فوارغ الأفكار
«لن نفاوض تحت وطأة العنف». «لن نفاوض قبل عودة الهدوء». «لن تحصلوا على شيء بقوة الحجر». هذه أفكار فارغة إسرائيلية لا تزال قيد الاستخدام. أعجبني صحافي إسرائيلي سَخِرَ من فوارغ الأفكار هذه، بقوله: «منذ العصر الحجري لم يحقق الحجر ما حققه للفلسطينيين سياسياً».
«يشع» (مجلس مستوطنات: «يهودا والسامرة» وغزة) قرر بدء «انتفاضة يهودية» ضد الفلسطينيين. قال: إذا لم تكن الطرق سالكة وآمنة في «يشع» لليهود، لن تكون سالكة وآمنة للعرب.
«يشع» ينهض ضد فلسطين، كما فزع «يهوشواع» ضد الفلسطينيين. إلى اليوم، يستعير الإسرائيليون الجدد أسطورة يهوشواع بن - نون الذي أطلق النفير، فتزعزعت أسوار أريحا (لأن هتافهم هزّ السماء، فاهتزّت الأرض، فزلزلت، فتساقطت أحجار السور)؟!
مستوطنات «يشع» خلف أسوار شائكة، والفلسطينيون يطلقون عليها صراخ الانتفاضة وحجارتها. يمكن استعارة الأسطورة، لكن لا يمكن لـ «يشع» استعارة الانتفاضة الفلسطينية بـ «انتفاضة يهودية» مضادة. ألم يحاولوا، في البداية، قاذفة حجر أوتوماتيكية.. ثم لجؤوا إلى القتل بالتسديد عبر نواظير بأشعة الليزر.
بعد قليل، سيقولون: إن «الييشوف الفلسطيني» في دولة إسرائيل بدأ مسار انفصال واستقلال عن إسرائيل. هناك هندسة عكسية، وهندسة فراغية، لكن لا توجد هندسة لـ «فوارغ الأفكار». قالوا بفكرة فارغة: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». أنظروا إلى أين أوصلتنا (هم ونحن) هذه الفكرة الفارغة.

4 - فوارغ المشاعر
لا متّسع لها في أرض مزدحمة جدّاً. هناك على الجانبين من يندم على أوسلو (في الحرب نندم على السلام، وفي السلام نندم على الحرب). نذهب إلى فوارغ: الصور، الكلمات، والأفكار.. ولو بدت جميلة، مثلما قال رون بوندك، أحد مهندسي أوسلو: «لعرفات هدف وليس له إستراتيجية، ولباراك إستراتيجية وليس له هدف».
.. وهذا لعب المشاعر بالأفكار.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فــــوارغ فــــوارغ



GMT 14:04 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 11:55 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الكميت بن زيد والأعشى

GMT 07:10 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

قتلوه... قتلوه... قتلوه لقمان محسن سليم شهيداً

GMT 22:33 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

كيم وكيا، فوردو وديمونا، نافالني وفاونسا؟

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 01:01 2018 السبت ,28 تموز / يوليو

رباب يوسف تؤكد أن الطبيعة تجذب السياحية

GMT 21:04 2017 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

سداسي براعم الشباب ينضمون لمعسكرين إعداديين

GMT 14:05 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

إتيكيت حجز الفنادق ومراعاة كافة شروط السكن فيها

GMT 10:13 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتماد إنشاء أكاديميتين للعربية والإنجليزية في نجران

GMT 04:55 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

طريقة عمل مكياج مكتمل ومثالي بدون "كريم أساس"

GMT 23:49 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

تسريب أول صورة لـ"لكزس ES 2019" الجديدة كليا

GMT 21:54 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

معتز هوساوي يوضح أسباب الخسارة من النصر

GMT 01:18 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

رباح يؤكد أن محاولات تصفية القضية الفلسطينية فاشلة

GMT 01:35 2016 الأربعاء ,20 إبريل / نيسان

الليمون علاج سحري للكثير من مشكلات البشرة

GMT 15:06 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أحجار الياقوت الثمينة تُغلف عطر مايكل كورس الجديد

GMT 09:21 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار في مخزن للأسلحة من مخلفات تنظيم داعش شمالي بغداد

GMT 04:21 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مواصفات "ألفا روميو ستيلفيو" التي اجتازت نوردشلايفه
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq