بقلم - عريب الرنتاوي
تطوران اثنان فقط، يمكن أن يحيلا «الكارثة» التي ألمت بلبنان، إلى «فرصة» لاستنهاضه: الأول؛ اندلاع انتفاضة شعبية واسعة...والثاني؛ تبلور موقف دولي مشترك، ضاغط على الطبقة السياسية النافذة، الفاسدة مالياً، والعاجزة إدارياً، والمفقرة أخلاقياً، لتقديم «تنازلات» لشعبها، ورفع أياديها الملطخة بدمائه عنه.
نظرياً، يمكن للانتفاضة الشعبية، أن تكون رافعة كبرى للانتقال بلبنان إلى «الجمهورية الثانية»، (أو الثالثة إن اعتبرنا الطائف إيذاناً بدخول لبنان عصر الجمهورية الثانية) ...الجمهورية المتخففة من إرث المحاصصة الطائفية ونظامها الفاسد على مختلف الصعد والمستويات، شريطة أن تنجح في تحصين نفسها من محاولات الاختراق المذهبي والطائفي، التي لن تتردد الطبقة إياها، في اللجوء إليها لتفتيت المنتفضين، وتحريض بعضهم على البعض الآخر.
أما الموقف الدولي الضاغط، فمشروط بألا يكون هدفه الأول والأخير، ضمان أمن إسرائيل، وتحويل «الخانقة» اللبنانية إلى مناسبة لتسوية الحساب المتراكم مع إيران وحلفائها في المنطقة، حزب الله في الحالة اللبنانية، وأن يكون إخراج لبنان من محنته، أو على الأقل، وقف مسلسل الانهيار، هو الهدف والمحرك الرئيس لهذا الجهد الدولي.
السيناريو الأمثل: توفر العاملين معاً...ضغط من الداخل وضغط من الخارج، لكن الحياة وتطوراتها الواقعية، لا تأتي دائماً، ولا تأتي بالضرورة، وفقاً لأفضل السيناريوهات، وأكثرها عدالة ومنطقية...الحياة أكثر تعقيداً من ذلك، ولحظات التعاطف والتضامن، مؤقتة بطبيعتها، سرعان ما تمضي لتحل محلها حسابات المصالح وأولويات الفاعلين الكبار الضاغطة.
من المشكوك فيه، حتى بعد الزلزال «الأموني» الذي ضرب لبنان بقوة خمس درجات على مقياس ريختر، أن ينجح اللبنانيون في اجتياز خرائط المذاهب والطوائف، سيما وأن الطبقة المهيمنة، في السلطة كما في المعارضة، لن تعدم وسيلة لزرع الألغام والفخاخ على طريق المنتفضين...يكفي أن يسيّر أحدهم، موكب دراجات نارية من الشياح إلى عين الرمانة، حتى تعود خطوط التماس إلى سابق عهدها زمن الحرب الأهلية، ويكفي أن «يُسرّب» أحدهم، شريط فيديو يَحمِل على السيدة عائشة، أو يَشتم مرجعاً شيعياً، حتى ترتسم خطوط التماس بين سنّة لبنان وشيعته من جديد...هذا أكبر تحدي يواجه الانتفاضة الشعبية في لبنان...هذا «كعب أخيل» أي مشروع إصلاحي جدي وجذري في لبنان.
أما على الصعيد الدولي، فهيهات أن يَغفِلَ ما يُسمى بـ»المجتمع الدولي» عن أولويته الأولى في حفظ أمن إسرائيل وتفوقها، وسيطرتها المطلقة على الأجواء والمياه اللبنانية، هيهات أن يفكر أحدٌ في تقييد الأذرع الإسرائيلية الطويلة ومنعها من التمادي في انتهاك السيادة اللبنانية...إذ حتى العواصم الدولية الصديقة لطهران، كموسكو والصين، لن تقف ضد أية ترتيبات من شأنها حفظ أمن إسرائيل وتبديد قلقها «الاستراتيجي»...أغلب الظن، أن أي ترتيب سيُقدم عليه المجتمع الدولي، سيكون قصير المدى، ويتعلق بالإغاثة ومساعدة لبنان على بلسمة جراحه...أما «تمكين» لبنان واستنقاذه وفق منظور استراتيجي، فطريقه – دولياً – واضحة تماماً: تجريد حزب الله من سلاحه، وهي مهمة تكاد تكون مستحيلة في الشرط اللبناني والإقليمي والدولي، لذا يبدو الحديث عن «عودة الروح» للعامل الدولي في الأزمة اللبنانية، مبالغاً فيه، إلا إن ظل محصوراً في بعده الإغاثي قصير الأمد.
مع ذلك، لا بأس، بل من الضروري، أن تحتشد الشوارع اللبنانية بالمتظاهرين الغاضبين، ولا مندوحة عن توظيف العطف الدولي على لبنان، أقله، للحيلولة دون وقوع مزيد من الانهيارات...أما الحل الأشمل للاستعصاء اللبناني على المدى الأبعد، فشروطه لم تكتمل بعد، ومعظمها مرتبط بعدم نضج الشرط الإقليمي – الدولي للتسويات الكبرى والمصالحات التاريخية.