بقلم - عريب الرنتاوي
الضائقة الاقتصادية بتشعباتها ومندرجاتها، هي التحدي الداخلي، الأول والأخطر الذي يتهدد الأردن، وفقاً لاستطلاع أخير أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية... أما إسرائيل، بمخططاتها التوسعية من ضم وتهويد وعدوان، فهي التحدي الخارجي الأول الذي يتهدد الأردن، وفقاً للاستطلاع ذاته... في ظني ليس ثمة من توصيف للمخاطر والمهددات التي تجبه الأردن في أمنه واستقراره، أدق من هذا التوصيف.
قبل «الجائحة»، كنا نقول ونساجل بأن الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية ما عادت تُقرأ بلغة الأرقام والنسب المئوية، أو بأدوات التحليل الاقتصادي والمالي، بل بلغة ومفردات نظرية الأمن الوطني... بعد «الجائحة»، أصبحت هذا التحدي أكثر «مصيرية»، ومعالجته ربما تكون بحاجة لخلية أو مركز لإدارة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية... الأرقام والتقديرات عن خسائر الأردنيين، دولة ومواطنين وقطاعا خاصا، تبدو مرعبة، وتبدو معها أرقام البطالة والفقر، كالشبح الذي يحوم فوق الرؤوس.
قبل «الصفقة»، والمقصود هنا صفقة القرن، كان مفهوماً أن تتوزع أنظار الأردنيين ومخاوفهم، على عدد من مصادر التهديد التي تحيط ببلادهم، وتتهدد أمنها واستقرارها: من حالة عدم الاستقرار في الجوار، مروراً بصراع المحاور المتناحرة إلى خطر الإرهاب الماحق، عطفاً على حالة الاستباحة التي يشهدها العالم العربي من قبل القوى الإقليمية والدولية الطامعة والتدخلية... بعد «الصفقة»، أعاد الأردنيون تعريف المصدر الأهم والأخطر، أنه إسرائيل بمشاريعها ومؤامراتها وخططها العدوانية – التوسعية، لكأننا أسلافنا بعد أزيد من سبعين عاماً على الصراع العربي – الإسرائيلي، نعود إلى «أصل الحكاية»، إسرائيل هي العدو، إسرائيل هي الخطر الوجودي.
الأردنيون منحوا حكومتهم ومؤسسات دولتهم شهادة «ناجح بامتياز» في إدارة الجائحة الصحيّة، وهذا أمر يعاكس «النظريات الشوهاء» التي سادت لردح من الوقت: «مهما فعلت الحكومات لن تحظى بثقة الشعب» ورضى الناس غاية لا تُدرك»... الأردنيون كسروا هذه النظريات وأظهروا تهافتها، وبرهنوا أنهم لن يتورعوا عن «ردّ الفضل لأصحابه»، وأنهم يشكرون الناس كما يشكرون الله... لكن هؤلاء الأردنيين، أنفسهم، هم من بدأ يخصم من رصيد الحكومة بعد انحسار التهديد الصحي وتفاقم التهديد الاقتصادي – الاجتماعي، ومن المتوقع أن تستمر عملية «الخصم» و»الاقتطاع» من شعبية الحكومة، كلما تظهّرت التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، والتي هبطت على اقتصادنا واجتماعنا، وهما في حالة استعصاء، وكلما تفشى الارتباك وسوء إدارة هذا الملف.
والأردنيون، إذ رفعوا إسرائيل إلى رأس قائمة المهددات الخارجية، لا يغفلون في حقيقة الأمر عن وجود مهددات أخرى في الإقليم من حولنا، لكن أوزان هذه المهددات لم تبق على حالها، وقد أدرك الرأي العام الأردني في فترة قياسية الفوارق الحاسمة بين «تهديد وجودي» يطاول الكيان والهوية والوحدة الوطنية، ويعرض أمن البلاد واستقرارها ونسيج أهلها الاجتماعي للخطر من جهة، «وتهديد» تكتيكي أو استراتيجي، ناجم عن ظرف طارئ، سمح لهذه القوة الإقليمية باجتياح أرضنا أو نهب ثرواتنا أو السعي لاستلاب مياهنا من جهة ثانية... يعرف الأردنيون أن الإرهاب تهديد، وهم الذين اكتووا بناره، مثل غيرهم، بيد أنه تهديد أمني عابر، لن يفلح في تغيير خرائط الأوطان وهوياتها، حتى وإن نجح في ذلك لبعض الوقت في بعض الأمكنة... لدينا مشكلات مع جوارنا الإقليمي: إيران وتركيا وأثيوبيا، بيد أننا عرفنا على امتداد التاريخ، أن نعيد تنظيم علاقاتنا، وأن نعلي من شأن التعاون على حساب الصراع في مراحل عدة... لكن في الشرط الإسرائيلي، يبدو التحدي شكسبيري الطراز: نكون أو لا نكون.