بقلم - عريب الرنتاوي
القضية الأولى: انتقال القيادة الفلسطينية للخارج
تتعالى بعض الأصوات مطالبه بافتكاك «القيادة الفلسطينية»، رئاسة ولجنة تنفيذية وربما لجنة مركزية لحركة فتح أو غالبية أعضائها، من أسر الاحتلال وقبضته، والانتقال إلى الخارج...مبرر هذه الدعوة، والحيثيات التي تنطلق منها وتبني عليها، صحيح تماماً، فالقيادة كشعبها، تعيش سجناً كبيراً، وأفترض أن عملها ومداولاتها تحت سمع وبصر سلطات الاحتلال، وأرجح أن ثمة «اختراقات» أمنية كما يعلمنا التاريخ القريب والبعيد...وأجزم أنه من دون موافقة أمنية من الاحتلال، سيتعذر على أي منهم مغادرة منزله إلى مكتبه، دع عنك الانتقال إلى خنادق المقاومة الشعبية والإشراف على إطلاق «انتفاضة ثالثة» ، وغير ذلك مما تحدث به الأمناء العامون، ولخصه بيانهم الختامي.
وأضيف: أن القيادات الفلسطينية حين تنخرط في ترجمة مضامين بيانها الختامي (لا أكثر)، فإن من المرجح أن تجد نفسها، وقد توزعتها سجون «نفحة» و»مجدّو» و»عوفر» و»هداريم»...ولا أحسب أنهم جميعاً، أو معظمهم على الأقل، ينوي الوصول إلى هذه النتيجة، أو لديه القدرة والاستعداد، وقد بلغ من الكبر عتياً، وبات جداً لدزينة من الأحفاد، للمقامرة بقضاء ما تبقى له من العمر، خلف القضبان، تذكروا جيداً دروس تجربة مروان البرغوثي واحمد سعدات وأبو علي مصطفى وفؤاد الشوبكي وقافلة طويلة من قيادات حماس والجهاد.
لكن ذلك لا يمنع من سؤال أصحاب هذه الدعوة والقائلين بها، عن الوجهة التي سيتعين على القيادة الفلسطينية أن تسلكها، وأين ستستقر، هي و»جهازها البيروقراطي» المرافق؟ ...ومن هي العاصمة العربية أو الإقليمية، المستعدة لاستقبالهم؟ ...وما هي تبعات تمركزهم في عاصمة بعينها، إن وجدت، على استقلالية القرار الفلسطيني وآلية اتخاذه، بل وعلى ميزان القوى الفلسطيني الداخلي؟
لقد وجد الأمناء العامون للفصائل صعوبة في إقناع لبنان باستضافتهم للمشاركة في اجتماعهم الأخير، فما بالك حين يتعلق الأمر، باتخاذ هذه العاصمة أو تلك، مقراً للقيادة الفلسطينية؟...إن الزمن الذي كان بمقدور القيادة أن تستقر فيه في هذه العاصمة أو تلك، أو أن تتوزع على عدد من العواصم، قد ولّى...حتى «التجربة التونسية»، تبدو استعادتها متعذرة إن لم نقل مستحيلة، وهي حدثت في ظرف استثنائي خاص، لا مجال في هذه المقالة للإسهاب في شرح ملابساتها، ولكن تذكروا أن «عزلة» القيادة في تونس، وابتعاده عن «الطوق» المحيط بفلسطين، كان من بين الأسباب الكامنة وراء إدارتها المتهافتة لمفاوضات أوسلو.
ليس في ذهن كاتب هذه السطور، عاصمة واحدة، يمكن أن تفتح ذراعيها للقيادة الفلسطينية، وأن تتحول إلى مركز لإدارة عملياتها...دمشق، تقبل بجزء من هذه الفصائل، طالما كانت منخرطة في «محورها» بل وتخوض إلى جانبها، قتالاً ضد «المعارضين» و»الإرهابيين»...أليست هذه الفاتورة التي دفعتها «تاريخياً»، بعض فصائلنا هناك؟...إسطنبول ضاقت ذرعاً بصالح العاروري، وهي تقبل به ضيفاً لا مقيماً...وطهران ستحول الفصائل إلى «حشد شعبي فلسطيني»، ينخرط في حروبها وأولوياتها، إن قبلت بها.
أين هي العاصمة التي يمكن أن تستقبل القيادة الفلسطينية...أرجوكم أفيدونا، ونأمل أن تكون إفادتكم، «واقعية» وليست «رغائبية»...العالم العربي اليوم، ليس العالم العربي قبل أربعين أو خمسين عاماً...وبدل المطالبة بـ»نقل القيادة» إلى المجهول، دعونا نفكر بالبحث عن أطر وهياكل، مرنة وخلّاقة، لإعادة تنظيم وقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، آخذين بنظر الاعتبار «الطور الاستراتيجي» الجديد، الذي دخلته قضيتنا وحركتنا الوطنيتان.
وغداً سنتناول القضية/الدعوة الثانية: إدماج الحركة الوطنية الفلسطينية في «محور المقاومة والممانعة».