بقلم : عريب الرنتاوي
أخيراً، وقع ما انتظره الفلسطينيون طويلاً: الرئيس محمود عباس يصدر مرسوماً بتحديد مواقيت الانتخابات التشريعية والرئاسية و»استكمال المجلس الوطني»...حسناً، هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، وتطور يشي بإمكانية طي صفحة الانقسام...لكن ثمة فيض من الأسئلة والتساؤلات، التي تمنع المراقب، من الإفراط في التفاؤل، وتُبقي الحذر سيد الموقف.
كيف ستخوض الفصائل الرئيسة الانتخابات المقبلة: قائمة مشتركة بين فتح وحماس وآخرين؟ ...ما معنى الانتخابات في حالة كهذه؟ ...قوائم متنافسة، ربما، ولكن ماذا إن فازت حماس بالأغلبية، هل ستُسلم فتح مقاليد السلطة وراياتها لمنافستها، وماذا إن حدث العكس؟ ...ألم ينفجر الانقسام الفلسطيني، الأعمق والأطول، في ضوء نتائج انتخابات 2006، وما الذي سيمنع تكرار المشهد هذه المرة؟ ...لا إجابات ولا ضمانات؟
هل صدور مرسوم بمواعيد الحلقات الانتخابية الثلاث، يعني أنها ستحدث تباعاً، وفي مواقيتها؟، ماذا إن خسرت فتح انتخابات التشريعي، هل ستغامر بخسارة الرئاسة، وتقامر بإعادة انتخاب وتشكيل المجلس الوطني؟ ...فلسفة تعاقب الانتخابات التي اعتمدتها فتح، هدفت بالأساس إلى مواجهة سيناريو كهذا، وهذا ما دفع حماس للتمسك بتزامنها، قبل أن تعود وتقبل بالتعاقب، بحجة أنها تلقت ضمانات من أربع أو خمس دول.
ماذا عن «تجديد النخبة»، هل سنرى وجوهاً شابة في قوائم الفصائل، أم أن قاعدة «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام» ستحكم تشكيل القوائم الانتخابية؟ ...هل سنرى قوائم من خارج الفصائل، وما مدى جديتها؟ ...هل المطلوب فصائلياً، تجديد النخبة الفلسطينية وتشبيبها، أم «شرعنة» النخبة المتقادمة» القائمة منذ سنوات وعقود على رأس السلطة والمنظمة؟ ...هل سيخوض الرئيس عباس غمار الانتخابات وهو في هذا السن المتقدمة؟ ...هل ثمة من بدائل يمكن التوافق عليها، فتحاوياً أولاً، ووطنياً تالياً؟
وماذا عن «المجلس الوطني»، أعلى سلطة لدى الشعب الفلسطيني، أو هكذا يفترض، قبل أن يتعرض للتهميش ويصاب بالشيخوخة والشلل؟ ...هل ستجري انتخابات في أية دولة من دول الشتات واللجوء؟ ...هل ثمة نيّة لفعل ذلك، أم أن ملء الفراغات، سيتم بالتعيينات، ووفقاً للمحاصصة الفصائلية؟ ...أعضاء المجلس التشريعي، هم أعضاء طبيعيون في المجلس الوطني، ماذا عن بقية الساحات، وكيف سيتم تمثيلها، سيما وأننا لا نرى أي جهد تحضيري لإنجاز هذه الغاية، برغم ضيق المسافة الزمنية المتبقية: 30 أسبوعاً.
ما هو شكل وصيغة الحكومة المقبلة: توافق وطني، تكنوقراط، حكومة الأغلبية، وهل ستمتد ولايتها لتشمل قطاع غزة، أم أنها ستواجه مصائر سابقاتها؟ ...هل سنعود لنظرية «سلاح واحد» من جانب فتح، أو نظرية «فوق الأرض وتحتها» من جانب حماس؟ ...نفترض أن هذه الأسئلة ستدرج على جدول أعمال الحوار الفصائلي المقبل، بيد أننا قليلو التفاؤل في فرص التوصل إلى إجابات توافقية مشتركة.
أخشى أن نكون أمام نظرة جديدة للانتخابات، تفصل ما بينها وبين المصالحة، فتصبح وظيفتها «تجديد الشرعية»، وليس «تجديد النخبة» وإنجاز المصالحة، تفادياً لضغوط أوروبية قائمة، وأخرى أمريكية منتظرة مع مجيء إدارة بايدن...أخشى أن الطرفين يتعاملان مع الاستحقاق، من منظور فصائلي، يتعلق برغبة كل منهما في تحسين صورته، و»تجديد شرعيته» المتقادمة...أخشى أن الانتخابات باتت مطلوبة بذاتها، على أن يعاود الطرفان، مزاولة يومياتهما المعتادة، صبيحة اليوم التالي للاستحقاق.
لم نتناول «العامل الاسرائيلي» في الانتخابات المقبلة، لا لقلة أهميته، بل لفرطها...فالاحتلال ما زال صاحب قول فصل، في تسهيل أو تعقيد تشكيل القوائم، وتقرير من يشارك ومن سيجري القبض عليه ما أن يفصح عن نيته الترشح، فضلاً عن «ملف القدس» ومشاركة أهلها في الاستحقاق، إلى غير ما هنالك من تحديات وعوائق، تستحق وقفة منفصلة.