بقلم : عريب الرنتاوي
ما الذي يعنيه الأتراك وبعض العواصم الغربية، حين يتحدثون عن "وقف دائم" لإطلاق النار في إدلب؟ ... وكيف يمكن للحرب ضد الإرهاب أن تنجز أحد أهم أهدافها في اقتلاع آخر وأكبر "جيب" للإرهابيين في إدلب (أكثر تجمع لهؤلاء في تاريخ الحركات الإرهابية)؟ ... هل المطلوب توفير "ملجأ آمن" للنصرة وأنصار التوحيد و"التركمانستاني" وحراس الدين؟ ... هل تم التسليم بأمر "الولاية الإسلامية" في آخر معاقل "الجولاني"؟
تحويل وقف إطلاق النار المؤقت إلى وقف إطلاق دائم، شعار جميل، ظاهره فيه الرحمة، أما باطنه ففيه العذاب، كلام حق يراد باطل، والباطل هنا، يختلف باختلاف الأطراف القائلة به... لا أحد من الداعين لهذا الشعار يُخبرك بالشق الثاني من المعادلة: كيف يمكن كسر شوكة الإرهاب في آخر معاقله؟ ... الجميع يستظل بالشعار الإنساني، لإخفاء مرامي وأهداف أبعد ما تكون عن الإنسانية ... هنا وفي إدلب، تتجلى "ازدواجية المعايير" بأكثر أشكالها سفوراً ووقاحة.
كان يمكن لمطلب السيد أردوغان تحويل "المؤقت" إلى "دائم" أن يكون مفهوماً، لو أنه أتبع هذا التصريح، بإبداء الاستعداد للتعاون في فرز غث المسلحين عن سمينهم، إن كان من بينهم سميناً، وإن هو أعرب عن استعداده، للتعاون في الحرب على الإرهاب ... لكن للإرهاب في تركيا معنى واحد فقط: الحركات الكردية، لا أكثر ولا أقل ... أما استمرار "البكاء على صدور اللاجئين" فتلكم دموع التماسيح، التي باتت مكشوفة ومفضوحة، بعد أن ألقى "السلطان" بعشرات ألوف اللاجئين، ومعظمهم من غير السوريين على الحدود مع اليونان، غير آبه بجوعهم وبردهم وعطشهم، وفي واحدة من أسوأ أشكال الابتزاز التي يمكن أن تمارس العلاقات الدولية، بحثاً عن ثمن، دراهم معدودات.ق وموسكو وحلفائهما من دون توقف، فمن قام بمسح الرقة عن خريطة سوريا بالأمس، لا يمكنه أن يذرف الدمع مدراراً على إدلب اليوم ... إبقاء ملف إدلب مفتوحاً، يراوح بين تهدئة مؤقتة وأخرى دائمة، هو في صميم المصلحة الأمريكية، ليس في مواجهة خصومها التقليدين، بل ولابتزاز تركيا ذلك.
أما الأوروبيون، فهم في حقيقة الأمر، مهجوسين بشبح الهجرات وموجات اللجوء، فضلاً عن خوفهم من "عودة المقاتلين الأجانب" وكثرة منهم أوروبيين، شبح الإرهاب يخيم على أوروبا كذلك ... وحكاية "البعد الإنساني" التي لا نرغب بتجريد أحدٍ من الإحساس بها، إنما تُثار في هذا السياق، وتحت وابل غبارها، يجري إخفاء المواقف والمصالح الحقيقية، وإلا لماذا لم تنسحب دولة أوروبية واحدة من التحالف الدولي، بعد كل الأثمان الإنسانية الباهظة التي تكبدها السوريون والعراقيون في الحرب على الإرهاب؟ ... تكفي جولة سريعة على أنقاض الرقة والموصل، حتى نتعرف على الكيفية التي أدار بها التحالف حربه ضد داعش، والتي لا تقل قسوة ووحشية عمّا تشهد مدن الشمال السوري الغربي هذه الأيام.
سنصدق حكاية "البعد الإنساني" في حالة واحدة فقط، وهي حين تكون هناك رؤية أو خطة للقائلين بها، حول كيفية التعامل مع النصرة وحلفائها، الذين يمسكون بتلابيب إدلب المدينة والمحافظة، وبعد أن يكفوا عن التمييز بين "إرهاب مفيد وقابل للتوظيف" وآخر "ضار يتعين استئصاله" ... بعد أن يتوقفوا عن ممارسة ألاعيبهم المزدوجة... فمن اعتمد سياسة الأرض المحروقة في الفلوّجة العراقية وطرابلس الليبية والرقة السورية وصنعاء اليمنية، لا يحق له أن يتحدث بلغة "الانسانيات" بتاتاً.