شباب إيران بين نِفاقيْن

شباب إيران بين... نِفاقيْن!

شباب إيران بين... نِفاقيْن!

 العراق اليوم -

شباب إيران بين نِفاقيْن

بقلم - علي الرز

صحيحٌ أن النظام في إيران حوّل رئاسة الجمهورية الى منصّةِ تسويقٍ أكثر منها مَصْدر قرارٍ، وصحيحٌ أن السلطة في مكانٍ آخر غير مقرّ الرئاسة، وصحيحٌ ان للحرس الثوري وأجهزة الأمن والاستخبارات يداً مُطْلَقة ومُعَرْقِلة وقادِرة ... لكن شيئاً ما لا يمكن تَجاوُزه في الانتخابات الإيرانية الأخيرة وهو توْق الإيرانيين العاديين وخصوصاً طبَقة الشباب الى التغيير.

معادلةُ ان فوزَ روحاني او رئيسي "لن تغيّر الكثير طالما ان الاثنيْن تحت عباءة المُرْشِد الأعلى" يمكن ان تستقيم ولو جنحتْ التفاصيل والاستثناءات يميناً او يساراً، لكن أن يتصوّر أحدٌ ان ملايين الإيرانيين الذين انتخبوا روحاني حرّكتْهم أجهزة النظام او وجّهتْهم سلطة الولي الفقيه فهذا هو الوهم بعيْنه، لأنّ مَن تابَع حملات الشباب وما دفعهم الى انتخاب "الأقلّ سوءاً" بالنسبة لهم، يَلمس حجم رغْبتهم في التغيير ولو في حدودِ الممكن، فإن كان الخيار بين الإصلاحي (حسب الشعار) والمُحافِظ فهم اختاروا الإصلاحي. ولو لم تتدخّل سلطة المرشد ومجالس الخبراء والصيانة والتشخيص والمصلحة لحذْف مرشحين ومنْعهم من خوض السباق الرئاسي، لكنا شهدنا مفاجآت فعلية وتَجارب مختلفة حتى ولو لم يُكتب لها النجاح.

استخدم الحرس الثوري كلّ أوراقه لحشْد الدعم لرئيسي، ولعبَ على الوتر الاجتماعي - الاقتصادي، وكيف ان كلّ الصورة الإيجابية لروحاني في الخارج لم تفلح في الحدّ من الغلاء داخلياً ولا في تنفيذ خططٍ تنموية حقيقية ولا تحسين الوضع المعيشي، لكن هذه المشاكل عملياً هي مشاكل نظامٍ لا مشاكل واجِهاته.

لا شك في ان الرقم الذي حقّقه رئيسي يعكس مزاجاً شعبياً كبيراً ما زال متأثّراً بعملياتِ تعبئةٍ عمرها أربعة عقود، كما لا شك في أن الإيرانيين الذين انتخبوا روحاني استَحْضروا عمليات التزوير التي حصلتْ مع فوز أحمدي نجاد بولايةٍ ثانية وما رافقها من قمْعٍ للمسيرات واضطهادٍ وضحايا، ولذلك يمكن القول إنهم استخدموا الهامش المتاح لهم حتى النهاية لإظهار استعدادهم لتغييرٍ طال انتظارُه.

يبقى ان المعادلة بين داخل إيران وخارجها لن تستقيم ما دام النِّفاق سيّد الموقف. فروحاني امتلك القدرةَ عبر أدواته التنفيذية لتسويقِ منْتجٍ غير موجود، أي "إيران مختلفة" ديموقراطية تعدُّدية لا تتدخّل في شؤون الغير وتريد أفضل العلاقات مع جيرانها والتزام المواثيق الدولية وتعتمد الحوار لحلّ الخلافات. ففي هذه الـ "إيران المختلفة"، تَوسّع الحرس الثوري الى اليمن، وتبجّحتْ طهران بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية ستضمّ اليها مكة المكرّمة لاحقاً، وصار تصدير ميليشيات الثورة الى دولِ الجوار الخبز اليومي للشعب الإيراني، فيما كان الحوار فعلاً سيّد الموقف مع "الشيطان الأكبر" من أجل الاتفاق النووي، وتبيّن ان طهران تريد فعلاً أفضل العلاقات مع واشنطن وانها مستعدّة للالتزام بكل الاتفاقات المبْرَمة معها.

في المقابل، كان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يسوّق منتجاً لا يعترف به إلا في خطاباته، أي الشعب الإيراني. ففي "عقيدته" التي اعتبرها خلاصة تجربته، تحدّث مطولاً عن الشعب الإيراني وحيويته وحاجته للانفتاح وفكّ العقوبات عنه، انما في هذه "العقيدة" انفتح أوباما على النظام الإيراني فقط، بل أعطى مبرّراتٍ لتَشدُّد الولي الفقيه، وساعد طهران في الانتشار عراقياً وسورياً ولبنانياً وفلسطينياً ويمنياً عبر حصْر مهمّته بإنجاز الاتفاق النووي.

كان النِّفاق سيّد الموقف بين الداخل والخارج. أوباما لم يترك مسؤولاً عربياً او مُسْلِماً زاره إلا وقال له ان رفع العقوبات عن الشعب الإيراني سيمكّنه من تغيير نظامه تدريجياً، وروحاني لم يترك وسيطاً عربياً إلا وقال له إنه يريد الانفتاح وإقامة أفضل العلاقات مع المحيط لكن الحرس الثوري وسلطات الأمن التي يسيطر عليها التيار المُحافِظ وقُرْب هؤلاء جميعاً من المُرْشِد كلّها أمورٌ تُعَرْقِل المهمة ... وفي النِّفاقيْن، الشعب الإيراني يدفع الثمن.

ربما كانت كثافة مشاركة الشباب الإيراني في الانتخابات وحملاتهم غير التقليدية واحتفالاتهم، رسالةً الى الداخل والخارج بكسْر حلقة النِّفاق وتحرير المَشهد من دائرة حصرية عمرها يوم كل أربع سنوات ... لكن الرسالة قد يلفّها الحرس الثوري ويضعها في زجاجةٍ ويرميها في البحر ثم يرسل لاحقاً خلاياه الى الدولة التي وصلتْ شواطئها بحجّة استعادتها.

كم هو سِجْنكَ كبيرٌ أيها الإيراني، وكم هو جميلٌ توْقك الى التغيير، وكم هي خيبةُ الأملِ بشعة ... ومع ذلك شيءٌ ما تَحرّك او سيتحرّك.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شباب إيران بين نِفاقيْن شباب إيران بين نِفاقيْن



GMT 05:02 2018 السبت ,11 آب / أغسطس

إذلال؟

GMT 06:03 2018 الخميس ,26 إبريل / نيسان

شيعة البراميل... والسفارة!

GMT 06:39 2018 الأربعاء ,28 آذار/ مارس

منصّة صواريخ ... لا دولة!

GMT 04:23 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

... مَن قال ليس حقيبة؟

GMT 14:24 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

والثاني أيضاً قضى شهيداً!

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 01:01 2018 السبت ,28 تموز / يوليو

رباب يوسف تؤكد أن الطبيعة تجذب السياحية

GMT 21:04 2017 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

سداسي براعم الشباب ينضمون لمعسكرين إعداديين

GMT 14:05 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

إتيكيت حجز الفنادق ومراعاة كافة شروط السكن فيها

GMT 10:13 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتماد إنشاء أكاديميتين للعربية والإنجليزية في نجران

GMT 04:55 2018 الأربعاء ,11 تموز / يوليو

طريقة عمل مكياج مكتمل ومثالي بدون "كريم أساس"

GMT 23:49 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

تسريب أول صورة لـ"لكزس ES 2019" الجديدة كليا

GMT 21:54 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

معتز هوساوي يوضح أسباب الخسارة من النصر

GMT 01:18 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

رباح يؤكد أن محاولات تصفية القضية الفلسطينية فاشلة

GMT 01:35 2016 الأربعاء ,20 إبريل / نيسان

الليمون علاج سحري للكثير من مشكلات البشرة

GMT 15:06 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

أحجار الياقوت الثمينة تُغلف عطر مايكل كورس الجديد
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq