لو كنتُ من فريق مساعدى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لطلبت منه أن يحضر «دورة تثقيفية وتدريبية» عن العلاقات العربية - الأمريكية، أصولها، وتاريخها، وطبيعتها، وتطورها، وإحصاءاتها، واقتصادها، وميزانها التجارى وعلاقاتها التسليحية، وارتباطاتها الأمنية.
يحتاج الرئيس ترامب أكثر من غيره إلى هذه الدورة لأنه وقع مراراً وتكراراً فى أخطاء تاريخية منذ حملته الانتخابية عام 2015 حتى أمس الأول.
وأكبر أخطاء ترامب فداحة هى ما قاله مرتين فى أسبوع واحد عن السعودية وعن فحوى محادثته الهاتفية الأخيرة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.
ويبدو أن ترامب يجهل محتويات 3 ملفات رئيسية فى هذا المجال:
1- من هى المملكة العربية السعودية؟
2- من هو مليكها سلمان بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود؟
3- ما هو تاريخ العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة سياسياً وتجارياً ونفطياً وعسكرياً؟
لو عرف فخامة الرئيس الأمريكى الوقائع والحقائق والأرقام لما قال ما قاله، ولما استخدم تلك العبارات الخاطئة فى المعنى، المغلوطة فى الوقائع، غير اللائقة فى العُرف السياسى، المرفوضة رسمياً، والمكروهة شعبياً.
يتحدث الرئيس ترامب عن المساعدات التى تقدمها بلاده (هى الضامن لاستمرار الحكم السعودى وأنه لولا الحماية الأمريكية للحكم فى السعودية لما استمر أكثر من أسبوعين فقط).
ويبدو أن فخامة الرئيس لا يعرف أن تاريخ الدولة السعودية «الأولى، والثانية، والثالثة» يزيد على تاريخ الاستقلال وقيام الولايات المتحدة، لأن الدولة السعودية الأولى قامت منذ 374 عاماً.
ولا يعرف أن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة قامت منذ عام 1744 إلى 1818 أى بعدما عاشت السعودية حكومة وشعباً ودولة بلا وجود أمريكى أكثر من 193 عاماً.
ولا يعرف الرئيس الأمريكى أن السعودية منذ أول بروتوكول تجارى مع الولايات المتحدة الأمريكية لم تحصل على مساعدة أو منحة أو هبة أو هدية مجانية من الشعب أو الحكومة الأمريكية.
ولا يعرف الرئيس الأمريكى أن السعودية التى اشترت سلاحاً من الولايات المتحدة بمليارات الدولارات دفعته كله نقداً وعدّاً أو مقابل نفط لكنها - أبداً - لم تحصل على رصاصة أو قطعة ذخيرة مجاملة، مما يدحض ما قاله «يجب أن يدفعوا» ويرد على تساؤله المثير للعجب والدهشة: «ولماذا ننفق عليهم إذا كانت لديهم كل هذه الأموال؟!».
يخلط الرئيس الأمريكى بين كوريا الجنوبية واليابان وبين المملكة العربية السعودية «لذلك يذكرهم ثلاثتهم فى خطاباته الأخيرة» حينما يقول: «لماذا ننفق على حمايتهم إذا كانوا أثرياء؟».
هذا الخلط جاء حينما أصيب ترامب بذعر شديد حينما اطلع على تقرير مالى عن العلاقات بين بلاده وكوريا الجنوبية، وصرخ: «كيف يمكن أن يكون الميزان التجارى بين واشنطن وسيول لصالح الكوريين بـ 18 مليار دولار ثم تتحمل الموازنة الأمريكية 3٫5 مليار دولار مصروفات دعم وحماية عسكرية؟» (ارجع إلى كتاب بوب وودورد «الخوف»).
فى الحالتين الكورية واليابانية هذا صحيح، وهو قرار تقديرى سياسى شرعه الكونجرس وكافة الرؤساء الأمريكيين السابقين منذ الحرب العالمية الثانية، ثم بعد الحرب الكورية فى الخمسينيات لضرورات استراتيجية وأمنية.
وإذا كان ترامب قد قرر أن يلعب دور مكتب التدقيق المحاسبى على الموازنة الأمريكية ويعيد فتح الدفاتر المالية، فإن عليه أن يقرأ ملفاته جيداً لأنه لن يجد دولاراً واحداً حصلت عليه الرياض كهبة أو هدية.
ويقع ترامب فى المحظور الثانى حينما يتهم الرياض وأوبك بأنهما تتسببان فى رفع أسعار الطاقة، ولو طلب دراسة من صفحتين عن هذا الموضوع لعرف الحقائق التالية:
1- أن منظمة الدول المنتجة للبترول «أوبك» لا تقرر أسعار النفط بشكل مزاجى أو اعتباطى لكنها تعتمد فى ذلك أساساً على قانون العرض والطلب.
2- أن قرار سعر النفط يعتمد على قاعدتين: حجم طلب المستهلكين، وهذا الأمر يرتبط بعدة عوامل أهمها: «حجم توسع أو انخفاض الإنتاج الصناعى».. وثانيتها مستوى الطقس ومعامل البرودة فى الدول المستوردة، وأهمها: شكل الاقتصاد الكلى فى العالم هل هو فى صعود أم انكماش ركودى؟
3- أن ترامب شخصياً هو المتسبب فى ارتفاع أسعار النفط الذى كان وصل تحت الأربعين دولاراً إلى فوق التسعين الآن وينتظر أن يشهد مرة أخرى رقم الـ 100 دولار لبرميل النفط، ذلك حينما فرض عقوبات على إيران وفنزويلا وروسيا وأشعل الأسواق.
4- أن السعودية هى التى قادت الدول المنتجة فى توفير سعر معقول للنفط وهى التى قادتها فى زيادة الإنتاج اليومى بأعلى طاقة ممكنة حتى وصلت إلى 9٫900 مليون برميل يومياً لتعويض خروج إيران التدريجى من أسواق البيع بسبب العقوبات.
وينسى ترامب أن دول الأوبك رفعت منذ فبراير إنتاجها 32 مليون برميل يومياً.
ونصل إلى قمة المأساة الهزلية فى كلام دونالد ترامب حينما يتحدث عن ضرورة أن «تدفع الدول مقابل حمايتها».
هنا تبرز 3 أسئلة منطقية وجوهرية وهى:
1- وماذا عن اتفاق الـ 460 مليار دولار الذى أبرمته السعودية معك عند زيارتك للرياض منذ عام؟ أليس ذلك أكبر عقد وقّعته بلادك مع دولة أخرى؟
2- ألم تكن المملكة تدفع ثمن كل شىء تحصل عليه تجارياً أو خدماتياً أو عسكرياً أو غذائياً؟
3- «ندفع من أجل الحماية».. «حسناً» الحماية مِن مَن يا سيدى؟
من إيران؟ أم من داعش؟ أم من شعوبنا؟
إذا كان الأمر يتعلق بإيران، فإن تجربة الحرب السورية أثبتت أن الجيش الأمريكى العظيم لم يستطع أن يحسم أى شىء على الأرض وأن القوات الروسية والآلة العسكرية الروسية هى أساساً - بالتنسيق مع إسرائيل - هى التى ضربت الوجود الإيرانى ومن معه فى سوريا.
إذا كان الأمر يتعلق بالقدرات العسكرية الأمريكية، فتعالَ يا سيدى لنرى حصيلة 4 تريليونات دولار أنفقتها واشنطن على الحرب فى العراق وأفغانستان وأكثر من 10 آلاف قتيل وجريح، وما زالت الحكومة فى بغداد يتم اختيارها من طهران، وما زالت الحكومة فى كابول تحكم فى حدود العاصمة فقط، أما بقية الخارطة الأفغانية فهى تحت سيطرة «طالبان».
ولو دقق الرئيس ترامب جيداً فى ميزان التسلح السعودى فسوف يكتشف أنه لا يعتمد على السلاح الأمريكى وحده، بل هو متعدد المصادر، فهو شريك رئيسى فى التسليح مع كل من بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا.
ويكفى أن يعلم الرئيس ترامب أن الإنفاق العسكرى السعودى السنوى على الدفاع يبلغ 56 مليار دولار مقابل 18 مليار دولار لإيران، وأن احتياطى النفط السعودى يبلغ 264 مليار برميل مقابل 145 مليار برميل لإيران، وأن الغلبة فى الكفاءة والعدد وقوة النيران للسعودية فى سلاح الجو، والهليكوبتر، والمدرعات، والعربات الناقلة ومنظومة الدفاع الجوى.
وعلى الرئيس الأمريكى أن يدرك أن مخازن ومصانع السلاح فى العالم مفتوحة على مصراعيها خاصة للدول النفطية، وللسعودية بالدرجة الأولى، وأن العالم من بكين إلى باريس، ومن لندن إلى بيونج يانج، ومن براج إلى موسكو، مستعد وراغب وقادر على التوريد الفورى لأى نوع من السلاح، ولم يعد هذا الأمر قاصراً على الشركات والمنتجات الأمريكية وحدها.
لا معنى لرصاصة الصوت الفارغة التى تطلقها فى وجوهنا وتهددنا إلى حد الابتزاز «برفع الحماية».
إذا كنت تتحدث عن ضرورة الحماية فنحن فعلاً نشعر بقلق شديد فى موضوع الحماية هذا، وهو حمايتك أنت.
سيادة الرئيس احمِ نفسك من لجنة «موللر» للتحقيق التى تكاد تعصف بحاضرك ومستقبلك السياسى.
سيادة الرئيس احمِ نفسك من خلافاتك مع شركائك عبر الأطلنطى فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى الذين «خرجوا عن طوعك» وعقدوا اتفاقاً مضاداً لقرار العقوبات مع إيران، ضاربين عرض الحائط بمصالحهم التاريخية معك.
سيادة الرئيس احمِ نفسك من التحقيق الذى تجريه منذ ساعات سلطات نيويورك حول الاتهام بتهرب عائلتك من الضرائب بما قيمته 500 مليون دولار.
سيادة الرئيس احمِ نفسك من الصحافة التى تكرهك، وأجهزة أمنك التى تعاديك، وجمعيات حقوق المرأة والمعوقين والسود والآسيان والمسلمين التى تعمل ليل نهار على التخلص منك.
سيادة الرئيس احمِ نفسك من شركائك فى اليابان وكوريا الجنوبية والصين والاتحاد الأوروبى وروسيا والمكسيك وكندا الذين أفسدت كل خططهم الاقتصادية.
سيادة الرئيس احمِ نفسك من الاتهامات بأنك واقع تحت سيطرة الاستخبارات الروسية منذ عام 2012 لأسباب مالية ونسائية.
سيادة الرئيس احمِ نفسك من تقرير التدقيق فى حساباتك الشخصية فى «دويتشه بانك» وتفاصيل ما حدث فيه من اتهامات بمخالفات جسيمة.
سيادة الرئيس احمِ نفسك واحمِ ولدك وزوج ابنتك من اتهامات مالية مخالفة للقانون مع موسكو فى عمليات خاصة بفنادق فى جنوب شرق آسيا.
سيادة الرئيس احمِ نفسك لاتهامك بمحاولة رشوة ممثلة التعرى الأمريكية حتى لا تفضح ما كان بينكما. ليس هكذا يعامل الحلفاء والأصدقاء التاريخيون!
سيادة الرئيس احمِ نفسك أولاً قبل التهديد برفع الحماية عنا.