ظاهرة الحَوَل السياسى

ظاهرة الحَوَل السياسى

ظاهرة الحَوَل السياسى

 العراق اليوم -

ظاهرة الحَوَل السياسى

بقلم ـ مصطفي الفقي

مثلما يُصاب المرء فى حياته بنوع من الحَوَل فى الرؤية، فيرى كل شخص فى غير موضعه، حتى ظهرت النكتة الشائعة من أن ريفياً أحْوَل تُوفى والده، فقام بدفن عمه!، كذلك فإن فى الحياة السياسية ما يشبه ذلك، وأنا أتذكر فى تاريخ الدبلوماسية المصرية أن لدينا بديلاً لهذه الظاهرة، فما أكثر ما راهنت «مصر» على أحد تنظيمات حركات التحرر الوطنى، فإذا الذى يصل إلى السلطة هو تنظيم آخر، ولدىَّ الآن ثلاثة أمثلة لا أنساها:

أولاً: لقد راهنَّا فى العصر الناصرى على الحركة القومية لتحرير «عدن» (جنوب اليمن) أثناء النضال ضد الاحتلال البريطانى لها، وكان قائد الجبهة القومية هو المناضل «عبدالقوى مكاوى»، بينما كانت هناك الجبهة الشعبية، بقيادة «قحطان الشعبى»، وعند نَيْل الاستقلال والوصول إلى السلطة كانت الحركة الشعبية التى لم نراهن عليها هى التى فازت برئاسة دولة جنوب اليمن غداة استقلالها، ولقد انعكس ذلك الخطأ على علاقتنا بجمهورية اليمن الجنوبى لفترة غير قصيرة بعد استقلالها.

ثانياً: فى حركة تحرير «روديسيا الجنوبية» (زيمبابوى) راهنَّا على مناضل من أجل التحرير، هو الزعيم «نكومو»، ولكن عند الحصول على الاستقلال قفز «موجابى» إلى السلطة، التى أمضى فيها سبعة وثلاثين عاماً، وهكذا تكرر الخطأ مرة ثانية، وظلت الجفوة فترة فى البداية بين «موجابى» و«القاهرة»، بينما اختفى «نكومو» فى صفحات النسيان.

ثالثاً: فى حركة تحرير «إريتريا» ومحاولتها الانفصال عن «إثيوبيا» وقفت القاهرة والدبلوماسية المصرية كلها داعمة لجماعة «عثمان صالح سبى»، فإذا «أسياس أفورقى» هو الذى يتقدم إلى موقع السلطة غداة استقلال البلاد، وتحتاج «مصر» مجهوداً كبيراً لجذبه نحوها، وقد نجحت فى ذلك.

هذه نماذج من الحَوَل السياسى، الذى يحجب الرؤية الصحيحة ويؤدى أحياناً إلى الطريق المخالف، لذلك فإن من الأحوط سياسياً توزيع الأدوار على كافة الشخصيات المنخرطة فى سياسة محددة لا تتجاهل أحداً ولا تستخف بآخر، فكل الاحتمالات مفتوحة فى الحياة السياسية، خصوصاً لدى حركات التحرر الوطنى، بحيث ترتفع أسهم بعض القيادات، وأظن أننا قد وقعنا فى أخطاء مماثلة عند تعاملنا مع بعض دول الجوار مثلما حدث مع «السودان» الشقيق، خصوصاً بعد ثورة الإنقاذ الوطنى، حتى أصبحنا ندرك دائماً أن الأشخاص زائلون والسياسات متغيرة، وأنا أقول هنا إن الحدس السياسى والرهان الأحادى على شخصيات بعينها أو أحزاب محددة هو خطأ فادح، ولا يقتصر الخطأ على تاريخ الدبلوماسية المصرية وحدها، بل هو أمر معروف فى كثير من الدبلوماسيات الكبرى فى عالمنا المعاصر، حيث تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن كما يقولون، بحيث يتزعم الموقف كله سيد جديد لم نكن نعلم عنه شيئاً، لذلك فإن ترشيد السياسة والسعى دائماً نحو استطلاع الأمور على أرض الواقع وفتح خطوط تواصل مع كافة القوى والتيارات هو أيضاً واحد من ضروريات العصر، لذلك فإن من العبث أن نتصور أننا نستطيع التركيز على شخص أو جماعة أو حزب دون غيره، ولابد أن نعترف هنا بأن لدينا واحدة من أنشط الدبلوماسيات الكبرى فى العالم المعاصر، بشهادة أطراف كثيرة من كل اتجاه، وقد نجحت «الخارجية» المصرية فى التعاون الفعال مع جهاز المخابرات العامة فى الوصول إلى مناطق كثيرة لتحقيق المصالح المصرية وفقاً للمبادئ التى تعتنقها «مصر» ويحرص عليها رئيسها بشدة، وهى عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فالدبلوماسية المصرية معروفة بجانبها الأخلاقى المتميز، الذى لا ينزلق إلى ما يسمى «العمليات القذرة»، بل هى دبلوماسية عريقة تعمل فى وضح النهار وتسعى دائماً إلى صالح كل الأطراف، فتلك هى «مصر» وتلك هى شخصيتها التاريخية وقامتها العالية.

المصدر : جريدة المصري اليوم

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة الحَوَل السياسى ظاهرة الحَوَل السياسى



GMT 03:55 2018 الخميس ,23 آب / أغسطس

الأصول المصرية.. الهوية نموذجاً

GMT 04:11 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

زراعة الصحراء فى الوطن العربى

GMT 03:40 2018 الجمعة ,13 تموز / يوليو

رحيل أزهرى جليل

GMT 06:52 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

وعادت جامعة بيروت العربية!

GMT 01:42 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

رحيل دبلوماسى مثقف

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

واشنطن - العراق اليوم

GMT 21:54 2018 الأربعاء ,30 أيار / مايو

تعرف على "أهل الدثور" وأسباب دخول الجنة

GMT 10:07 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

Incredible Things عطر ساحر من نفحات الأخشاب الطبيعية

GMT 18:46 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

صلاح يفك عقدة لازمته منذ 2014 في كأس الاتحاد الإنجليزي

GMT 21:25 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

"كلام ستات" يناقش مبادرة "بدّلها بفضة" لتسهيل الزواج

GMT 02:06 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أفخم الفنادق في مدينة هونغ كونغ الصينية

GMT 04:13 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

"ديكورات" مشرقة في شقّة جون بون جوفي الـ"دوبلكس"

GMT 01:13 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أبوالفتوح تكشف فوائد تناول الردة خلال الوجبات

GMT 03:36 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

تناول المكسرات يساعد على استقرار مستويات السكر

GMT 01:21 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

شاكيرا تستعد لإحياء حفلة غنائية في إسرائيل

GMT 22:07 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سائق حافلة ركاب في إسبانيا يرفض صعود منقبة للحافلة

GMT 00:14 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

سعر الريال السعودي مقابل دينار كويتي الجمعة

GMT 05:14 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعاون "فوكس" و" ديزني" يكشف عن تقاعد "مردوخ" أم خطة جديدة

GMT 12:17 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح استئصال ورم من بطن سيدة في جازان وزنه 5 كيلو جرام

GMT 07:35 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

سلام العمري تبدع في صناعة الشموع بطرق مختلفة جذابة
 
Iraqtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday Iraqtoday
iraqtoday iraqtoday iraqtoday
iraqtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
iraq, iraq, iraq