بغداد - العراق اليوم
يجتمع العاملون الآسيويون المقيمون في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، كل يوم جمعة في الحديقة العامة وسط المدينة، التي يخال المار أمامها نفسه خلال ذلك اليوم وكأنه في جنوب شرق آسيا، لاكتظاظ المكان بالمقيمين من نيبال وبنغلادش والهند، وصولا للفلبين والصين.وتتصاعد الأبخرة والروائح الزكية وعبق التوابل والبهارات التي تأخذك لعوالم المطبخ الآسيوي التعددي الساحرة، حيث تجد القدور الضخمة والنيران مشتعلة تحتها، أمام مدخل الحديقة على رصيف المشاة العريض، الذي يغدو بمثابة مطعم آسيوي مفتوح في الهواء الطلق، والذي يعرف بـ"سوق الأجانب" يوم الجمعة.
وتقوم مجموعة من هؤلاء العمال بإعداد وبيع وجبات الطعام الخاصة بمختلف البلدان التي وفدوا منها، فهذا الركن يختص بالطعام البنغالي وذاك بالنيبالي والثالث بالهندي وهكذا دواليك.ويقوم البعض الآخر منهم ببيع الخضروات والفواكه والأسماك ومختلف الحاجيات الأساسية لهم، التي قد لا تتوفر بالضرورة دوما في المتاجر ومحال البقالة، مما يفسر إطلاق اسم "سوق الأجانب" على هذا الرصيف كل جمعة.هو تجمع جميل أشبه بلوحة مزركشة يمثل ملتقى للعمال في يوم عطلتهم، كي يرتاحوا خلالها ولو لساعات قليلة من أعباء العمل اليومية وروتينه وضغوط الحياة.كما أنه يمثل فرصة لتعارف بعضهم على بعض، حتى أن العديد من قصص التعارف تلك تتكلل بالارتباط والزواج، فملتقى الجمعة هذا يعزز التواصل الإنساني بين العمال ويمنحهم هامشا للترويح عن النفس وسرد قصصهم وحكاياهم وذكرياتهم فيما بينهم.
ولا يقتصر بيع هذه الوجبات على العمال الآسيويين فقط، بل إن بعض المارة ومرتادي المكان من أهل المدينة، وحتى السياح، يقبلون على تذوق وشراء هذه الوجبات، أقله من باب التجربة والتعرف على نكهات ووصفات جديدة، مما يضعنا أمام مشهد "كوسموبوليتي" حيث تختلط اللهجات واللغات واللكنات والأذواق، ويتشارك الجميع الفرحة والبهجة.المكان أشبه بخلية نحل، إذ يغطي ضجيج الأحاديث الجانبية والضحكات حد القهقهة أحيانا، على كل شيء، في مشهد عابق بالحرارة الإنسانية، مما يزيد المدينة انفتاحا وغنى وتعددية وجمالا، إذ تجتمع مختلف الأعراق والأديان وتتشارك في هذه البقعة الصغيرة من المدينة، لكن الكبيرة وعظيمة الدلالة باحتضانها هذا الموزاييك البشري الجذاب.
وتتعدد قصص هؤلاء العمال البسطاء المرحين، الكبار بعزة نفسهم وكرامتهم، المحبين للحياة رغم اغترابهم وتواضع حالهم المادي وبعدهم عن ذويهم وأطفالهم وأوطانهم. فمثلا نجد زوجين يتشاركان إعداد الطعام وبيعه، بينما أطفالهما في موطنهم نيبال.على أن أكثر ما يلفت الانتباه، هو تحدث هؤلاء العمال بكردية "مكسرة" لكن بطريقة جميلة ومفهومة تماما، حيث أصبحت تنافس شهرة لكنة "العربية المكسرة" التي تتميز بها العمالة الآسيوية في بلدان الخليج العربية.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
أوضاع العمالة البنغلاديشيّة في العراق على طاولة الخارجية
محاولات "إنقاذ العمالة" بسبب أزمة "كورونا" تجتاح العالم مِن الشرق إلى الغرب